القمة العربية – اللاتينية: إنتاج الطاقة المتصالحة مع البيئة ينطلق من الخليج
تعقد النخب الاقتصادية آمالاً عريضة على القمة العربية اللاتينية، المقرر انعقادها في العاصمة القطرية الدوحة نهاية الشهر الجاري، فعلى الرغم من أن القمة ستلي قمة عربية - عربية، إلا أن المراقبين الاقتصاديين يعدون القمة الثانية انفراجة جديدة لمنطقة الخليج، لما ينطوي عليه جدول أعمالها من ملفات وقضايا، يأتي في صدارتها، توفير مصادر بديلة ومتجددة للطاقة، والخروج من بوتقة الاعتماد على الطاقة النفطية. ولعل التجارب الناجحة، والتحديات التي خاضتها أمريكا اللاتينية في مجال الطاقة البديلة، كانت كفيلة بتشجيع البلدان الخليجية على السير في الفلك ذاته. وبات تلاقي الأفكار والرؤى بين البلدان الخليجية والقارة ذاتها واضحاً، خلال القمة المماثلة، التي جرت فعالياتها في برازيليا عام 2005.
تناغم خليجي - لاتيني
لكل هذه الأسباب وغيرها تتابع الدوائر الاقتصادية الغربية التناغم والتقارب الخليجي مع أمريكا اللاتينية، وما يمكن أن يتمخض عنه من مشاريع مشتركة على صعيد الطاقة البديلة. وترى تلك الدوائر أن البلدان الخليجية بدأت منذ فترة ليست بالقصيرة صياغة استراتيجيات استثمارية، تضعها على أولى أعتاب الدول المنتجة للطاقة المتجددة، مع مراعاة الحفاظ على البيئة، وتفادي خرق القوانين الدولية، المعنية بحماية المناخ والغلاف الجوي.
وبحسب تقرير موسع نشرته صحيفة "نيويوركر" الأمريكية، تترقب الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، انفتاح البلدان الخليجية على مختلف الأقطاب الدولية، في محاولة لخلق مشاريع استثمارية في مجال الطاقة البديلة، وعلى رأسها الطاقة النووية السلمية، وكان لهذا المنحى بالغ الأثر في وصول العالم الغربي إلى قناعة مفادها أن منطقة الخليج دخلت في سباق مع الزمن، وبدأت تخطو خطوات ثابتة على مسار إنتاج الطاقة البديلة، خشية الانحصار في بوتقة الطاقة النفطية، التي يهددها شبح النضوب. ولعل إصرار منطقة الخليج على امتلاك الطاقة النووية، مصدراً بديلا للطاقة المتجددة، ينبع من افتقار المنطقة النسبي إلى آليات أخرى، يمكن الاعتماد عليها لتوليد الطاقة، خاصة أن الاعتماد على الطاقة النووية لا ينطوي على سلبيات بيئية، مثلما بات عليه الحال في كوستاريكا، إحدى دول أمريكا الوسطى، التي قررت توليد الكهرباء من بخار البراكين، عن طريق الاستفادة من حرارته المحتبسة في باطن الأرض، علي شكل سائل يستخدم في تشغيل محركات التوليد. وفي الوقت الذي رصدت فيه حكومة هذا البلد استثمارات مادية ضخمة لتدشين المشروع الهائل، اصطدمت بإشكالية كبيرة تجسدت في اعتراض المنظمات البيئية علي هذه المشاريع، خاصة أن استكشاف ينابيع بخار البراكين، يستدعي استغلال مساحات واسعة من المحميات الطبيعية، سواء كانت نباتية أو حيوانية، وباتت حكومة كوستاريكا أمام خيار واحد وهو التفكير في توليد الكهرباء عن طريق المحطات النووية.
ملف الطاقة البديلة
تعد تجربة كوستاريكا في خوض معترك تدشين المحطات النووية لتوليد الطاقة البديلة، حافزاً لعدد من دول أمريكا اللاتينية في السير على الخطى نفسها. ووفقاً لما نشرته مجلة "كريشاندو" الإيطالية، تتابع منطقة الخليج العربي الحراك النووي السلمي، الذي تسير دول أمريكا اللاتينية في فلكه، مما يعطي انطباعاً أن القمة العربية اللاتينية، التي من المقرر انعقادها في 31 آذار (مارس) الجاري في العاصمة القطرية الدوحة، ستركز على هذا الملف، في محاولة لجذب استثمارات جديدة إلى منطقة الخليج، تماشياً مع الاستراتيجية الاقتصادية الضخمة، الرامية إلى الاعتماد على المحطات النووية السلمية لتوفير الطاقة البديلة. وترى المجلة الاقتصادية الإيطالية أن البلدان الخليجية ستقود قاطرة دول منطقة الشرق الأوسط، في تبني مشاريع مماثلة، مما يولي أهمية كبيرة للقمة العربية - اللاتينية المزمعة، حيث تترقب الأوساط الاقتصادية، في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الأوساط الغربية، ما سيتمخض عن تلك القمة من توصيات في مجال توفير الطاقة البديلة، وما يدور على هامشها من اتفاقات وصفقات استثمارية، يجسدها القطاعين الخاص والعام من جميع الأطراف المشاركة.
رؤى غربية وتطلعات خليجية
إلى جانب تلك المعطيات تباينت وجهات النظر الغربية حول التطلعات الخليجية الرامية إلى اعتبار الطاقة النووية مصدراً بديلاً للطاقة النفطية، إلا أن أكثرية الآراء دارت حول حتمية أن تطرق البلدان الخليجية أبواب الطاقة النووية للأغراض السلمية، وذهبت تقارير غربية موثقة أخرى إلى أبعد من ذلك، عندما أعلنت أن فرنسا والولايات المتحدة، أضحتا مصدراً أساسياً في توفير الآليات اللازمة لبناء مثل هذه المشاريع. ولم يكن مستغرباً أن تنضم آلة الإعلام العبرية لمعسكر المتابعين للتطورات التي تشهدها منطقة الخليج في مجال الطاقة البديلة.
طاقة نووية سلمية
وبحسب تقارير غربية، تسعى البلدان الخليجية منذ فترة ليست بالقصيرة على قدم وساق، من أجل امتلاك طاقة نووية للأغراض السلمية، انطلاقاً من إدراك تلك المنطقة أن اعتبار النفط خيارها الأوحد في توفير الطاقة، وقال التقرير: "إن الدول الخليجية حصلت على وعود من الحكومة الفرنسية ببيع نسبة تقدر بـ 1 إلى 5 في المائة من قيمة ما تنتجه إحدى المنشآت النووية الفرنسية الأكبر على مستوى العالم والمعروفة بـ "أريفا" AREVA، وهي منشأة معنية بإنتاج المفاعلات النووية وبنائها، وإن دول مجلس التعاون الخليجي الست ستستفيد من الوعد الفرنسي، الذي لم يخرج إلى حيز التنفيذ حتى الآن.
التعاون مع فرنسا وأمريكا
التقارير أسهبت في الحديث عن المنشأة النووية الفرنسية التي يدور الحديث عنها، مشيراً إلى أنها أكبر مؤسسة نووية على مستوى العالم، كما أنها معنية بالإنتاج النووي بداية من مفاعلات إنتاج اليورانيوم، وصولاً إلى تخصيبه بنسب مختلفة، وتدشين المفاعلات النووية، وكشفت المعلومات العبرية النقاب عن أن الولايات المتحدة تشارك بعضوية عريضة في مجلس إدارة المؤسسة النووية الفرنسية، من خلال فرع شركة AREVA Inc، كما حظيت الوعود الفرنسية لدول مجلس التعاون الخليجي، بمباركة المستوى السياسي في تلك الدول، وفي الولايات المتحدة وفرنسا.
وترى دوائر اقتصادية وأمنية في باريس وواشنطن، أن التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة وفرنسا في هذا المجال لم يقتصر على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أو نظيره الأمريكي باراك أوباما، وإنما طال الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش، حيث وقع الأخير على اتفاقية مع دول الخليج، يتم بمقتضاها المساهمة الأمريكية في تدشين مشروع نووي خليجي عملاق للأغراض السلمية، واتفقت إدارة بوش الابن في حينه، على أن يطلق على المشروع اسم "الصناعة النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية"nuclear power-generating industry.