فرصة استثمارية تاريخية
قبل أسبوعين تلقيت دعوة للتحدث ومقابلة وفد مالي ياباني زائر. الهدف الرئيس من زيارة الوفد كان التعرف على الوسط المالي السعودي بغرض جذب رؤوس الأموال السعودية للاستثمار واستكشاف فرص التعاون. الوضع الاقتصادي في اليابان لم يكن في أحسن صورة منذ فقاعة الأسهم والعقار 1989م حينما كان مؤشر الأسهم 39500 إلى أن وصل اليوم إلى 7200 نقطة. تكامل ذلك مع تحول سكاني قلل من ديناميكية وإنتاجية الاقتصاد واعتماده على التصدير وبروز قوى أخرى منافسة مثل كوريا وتايوان ثم الصين إلى أن وصلنا إلى الأزمة الحالية التي كانت ضربة موجعة لشعب فخور تعود على النجاح ولكن لديه حاجة واضحة إلى رأس المال. يقابل ذلك وضع سعودي معاكس: الوضع المالي في المملكة جيد مقارنة بكثير من الدول والتركيبة السكانية في ازدياد وحاجة إلى العمل، والعجز الفني مقابل اليابان واضح. هذا الاختلاف الموضوعي يبعث لفرصة ذهبية للمملكة، الفرصة في كسب التقنية ونقلها إلى المملكة والعائد المربح على الاستثمار.
هناك شركات يابانية عامة وعائلية صغيرة يقوم عليها خبراء متخصصون في شتى أنواع التقنية من البتروكيماويات إلى شرائح الكمبيوتر إلى الطاقة الشمسية إلى اللدائن والمعادن. هذه الشركات في حاجة إما إلى البيع بغرض الاستثمار لتحويل الابتكار إلى منتج نهائي وإما التوسع. المبالغ المطلوبة في الغالب صغيرة وتراوح بين عدة ملايين وعشرات الملايين. طبيعة هذا الاستثمار تختلف عما تعود الكثير في المملكة عليه. فهو استثمار يتطلب رغبة دقيقة في القيمة المضافة وبالتالي يتطلب معرفة صناعية وفنية وحتى علمية، استثمار يتطلب جهدا مؤسساتيا وجزءا من عملية تنموية.. استثمار وليس فرصة للمقامر وهواة بيع وشراء الأوراق المالية دون التمحيص والتدقيق في واقع الشركة ومستقبلها ومدى علاقتها بالتوسع استثمارياً في الصناعات السعودية.
لدى المملكة سياسة تصنيعية بتوجهات واضحة من خلال تأسيس مراكز أبحاث ومدينة معرفة ومركز حاضنات للصناعات تحت رعاية مدينة الملك عبد العزيز للتقنية وكذلك مركز صناعات وطنية بدأ برعاية من وزارة البترول. هذه العوامل مجتمعة تجعل الفرصة مواتية لاغتنام هذه الفرص، وهي بالمناسبة ليست في اليابان فقط. لقد ذكر لي أحد المستثمرين السعوديين أن تلك الفرصة متوافرة في كوريا حيث تم له عدد من اللقاءات هناك. ما يبقى هو التفكير المؤسساتي الجمعي الموجه لتطوير المملكة صناعياً. لكي يكون الاستثمار مؤثراً يجب أن يكون جزءا مؤثرا من رأس مال هذه الشركات وبالتالي يتطلب دورا إداريا مباشرا وعلاقة لصيقة ووجود الكوادر الجادة الراغبة في إثبات الذات واحترام الدور. لأسباب تاريخية وأخرى موضوعية تتعلق بعدم التعود على البناء الصناعي والمعرفي التدريجي تجد أن الاستثمارات الخارجية في غالبها تذهب إلى الدول الغربية، وخاصة في سوق الأوراق المالية أو العقار دون عائد مجزٍ على الاقتصاد السعودي في الغالب. حان الوقت للتفكير في نهج آخر وتعميق الجهد المؤسساتي بعيداً عن المدى القصير أو العائد السريع. هناك عدة نماذج لبناء هذه العلاقة بين اليابان أو كوريا أو غيرهما تبدأ من الغرف التجارية أو توجيهات من المجلس الاقتصادي الأعلى أو الوزارات والهيئات المختصة، ولعلها تأتي من عدة مصادر للتأكد من المنافسة البناءة الشريفة ورصد المكافآت لمن ينقل تقنية وقيمة مضافة للاقتصادي السعودي.
النوافذ الاستراتيجية لا تبقى مفتوحة لمدة طويلة وقد يكون هناك من هو أسرع منا، وقد اختاروا المملكة كأول محطة ولكن هناك محطات أخرى. استثمرت الصين مباشرة مبلغ 16 مليار دولار في أول شهرين من عام 2009. عدم تواجد المسؤولين ذوي العلاقة يقول الكثير عن مدى جديتنا. هدف اليابانيين جذب رؤوس الأموال والأسواق ولن تكون المباحثات سهلة ولعلنا نبدأ من السفارة السعودية في اليابان بفهم البيئة النظامية والقانونية في اليابان.