خبراء الكتب

هناك عدة مبادئ لخبراء الكتب في الصيد والاكتشاف هواية وحرفة للاستدلال على أماكن توليد الإنتاج المعرفي والوصول إليه، وهنا قد ينفعنا قانون ابن خلدون في القراءة الثلاثية وقانون ابن سينا في تشبع الدماغ وحل المعضلات في النوم، أليس عجيبا؟ وأول أمر أشير إليه هومشروع الجينوم القرآني؛ أقترحه على كل مقتدر، لتطوير هذا المشروع في إخراج تفسير قرآني عصري بالصوت والصورة، واعتماد أدوات العلوم الإنسانية المساعدة، فلا يمكن فتح جمجمة مريض بأدوات فرعونية جراحية، وهذا المشروع بدأ به الألمان فسبقونا، ورصدوا له ملايين اليورو، وشكلت له لجنتان واحدة للمعلومات، في كل ما يتعلق بالقرآن على شكل بنك معلومات، والأخرى في تحليل وفرز المعلومات، بالطبع بدون أي تابو.
والثاني هواية صيد الكتب. فعليك أيها القارئ الدؤوب أن تكون صيادا للكتب ولو بلغة المندرين وجزيرة سخالين وكمشتكا وأرض بتاغونيا، وأنا وأخي الفيلسوف البليهي نتعاون في هذا، وقد استطعنا أن نظفر بكتاب الطب التجريبي لكلود برنار بعد بحث ربع قرن فأخذناه من مكتبة الإسكندرية بواسطة وصورناه وأخذنا منه فورا أكثر من نسخة، وهذا التبادل الثقافي ميسر الآن وهناك من الكتب ما لايمكن العثور عليها في أي مكان فوجب أخذ صورة فور وقوع الكتاب في اليد. ويجب أن تعلم أن المعرفة الإنسانية كم هائل اليوم ويجب فرز المعلومات بسرعة وتوظيف الوقت للفكر الإنساني الهادي إلى صراط مستقيم، وهذا يتم كما قلنا بجهد عشر سنين عجافا تنتهي سمانا.
ويبقى الخبير في الكتب يشبه خبير اللؤلؤ البحريني وصاقل الألماس الهولندي، فيقلب الكتاب بسرعة وفي دقائق؛ فيقول يبدو أنه دسم فلنتجرأ ونشتري، ومن كلأ بيته بكتب السحر تحول إلى ساحر، ولذا فبيت الإنسان مؤشر عقله هل فيه مكتبة وكتب؟ وإن كانت فهل هي مذهبة الأعقاب جيدة التصفيف أم أنها منوعة الأحجام والألوان فيها أسماء أجنبية أكثر من العربية؟
أما أمكنة الإنتاج المعرفي غربية أو مترجمة شرقية في معظمها فلا تحزن أخي لأن الإنتاج المعرفي في معظمه غربي فوجب التعرف ومسح العصر. وأنا أقلب في الكتاب لأعرف المؤلف فإن كان أجنبيا قلت ربما فيه خير وتعب، وليس أكيدا والعكس بالعكس، وكتب عبد الستار إبراهيم في علم النفس ومحمد عزام في الفلسفة درر بهيجة للمعرفة.
لقد عمد البعض إلى وضع ورق جدران على شكل كتب بدون كتب، وفي القرآن الحمار الذي يحمل الكتب على ظهره لا يستفيد منها.
ويستفاد من قانون ابن خلدون في القراءة الثلاثية:
يعتبر ابن خلدون أن تأسيس العلم يحتاج إلى ثلاث دورات من القراءة الأولى مرور الكرام سطحية، والثانية تنقيحية تعرفية في محاولة لفهم مابين السطور وتحت الكلام، وفي الثالثة أن لا يدع مغلقا لا يفتحه، ولا عويصا إلا يفك مغاليقه، ولا مبهما إلا ويعرف سره.
وهي كما ذكرنا في الأكاديمية (العلم والسلم) عمل عشر سنين، حينها يبدأ الإنسان في تذوق (لذة الفهم) بتعبير الفيلسوف اسبينوزا.
وهذا الرقم ينزل ويصعد؛ فقد يبقى شخص عشرين عاما فلا يصل، وهناك من عندهم ذلك الاستعداد الخفي، والهمة والمثابرة والذكاء والتطلع، من يختصرون الزمن ويحرقون المراحل، ولكن عددا من السنين لا مفر منه بسبب طبيعة العقل التخمرية.
ويبقى قانون ابن سينا مع النوم دليلاً:
إذا قرأت فلم يفتح الله عليك، كما حدث معي مع أول قراءة في كتاب نديم الجسر في كتابه قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن، فقد كان القسم الفلسفي صعبا لم يفتح لي بسرعة ولأول مرة، وحين استعنت بأستاذ الفلسفة كان يتظاهر بأنه قد فهم ويشرح وأنا أعرف أنه لم يفهم شيئا، وحين اجتمعت به بعد ثلاثين سنة (كان مكانك راوح).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي