السحار الجديد جون كانسيوس
لا يتطلب الأمر أكثر من إنترنت وأسطوانة ولهب وشمعة وأنفوميديا مجنونة..
جون كانسيوس الساحر الجديد من أستراليا أصيبت زوجته بالسرطان فسحرها بواسطة جهاز اخترعه أثناء عمله في الاتصالات، ورأى أنه إذا جاء إلى الخلايا السرطانية، وتودد لها، ثم قدم لها طبقا من ذهب فشربته؛ مثل قصة ميداس، ثم يسلط تيارا ذا ترددات قصيرة، فيحترق من الخلايا من كان في بطنها الذهب، وينجو الفقراء دون ذهب.
إنها قصة مسلية فعلاً..
طبعا لم نعرف كيف عزل الخلايا السرطانية؟ أم كيف أدخل إلى الخلايا السرطانية خلية خلية، طبق الفول الذهبي فأكلت ثم ماتت....
أصبح الإنترنت مصيبة متعددة الجوانب، ففيه الإباحية من كل لون صنفان، وفيه الكذب من كل أبواب الفجور، وتناقل الأخبار الموهنة والواهنة والضعيفة من دون تحقيق ونقد ومراجعة..
إننا نحتاج إلى ابن خلدون وقواعده في موضوع النقل والنقد، فالرجل لم يعاصر الساحر الأسترالي ولكن نبهنا أن نكون حذرين في نقل الأخبار ونشرها قبل التحقق منها، فقال: "اعلم يرحمك الله أن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولم يقارن الذاهب بالحاضر والغائب بالشاهد فربما لم يؤمن فيها الإنسان من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وهو ما حصل لكثير من المؤرخين وأئمة النقل والتفسير، فضلوا عن الصواب وتاهوا في بيداء الوهم والغلط".
هذا القاعدة المتينة في تمحيص الأخبار إذا طبقت، ارتفعت طبقا عن طبق في كل الأفكار والأمور، ومنها قصة الساحر الأسترالي..
ومشكلتنا كما تحدثت البارحة مع صديق في اليمن، أن كل ما أشع وأشرق من نيويورك أصبح خبرا منزلا، ولكن ليس كل ما يشع ذهبا؟
وكل مصطلح يروج من هناك وجد من يتبناه مثل الأصولية والشفافية، وكل كاتب رطن الإنجليزية كان معناه أنه عليم علامة وحكيم فهامة، كما حصل معنا مع كثير ممن يرطنون بالإنجليزية مع تقعير اللسان بلهجة تكساس، عندها يكون وحي الحقيقة متدفقا والإلهام الكوني حاصلا؟! وأمثال جوائز نوبل أيضا هي صناعة وفبركة من هذا القبيل ، وإلا كيف أفهم أن المجرمين مناحيم بيجن وإسحاق رابين يمنحان جوائز نوبل للسلام، وأشياعه من العرب المشوهين، ويحرم منها غاندي رسول السلام في القرن العشرين، بسبب نقمته على إسرائيل، وكأن إسرائيل هي قنطرة الوصول إلى غاية المنتهى في ستوكهولم؟ إنني لن أتعجب أبدا إذا سمعت أن شارون وهو في سكرات الموت قد رشح لنيل جائزة نوبل وهو جثة، فالعالم الذي نعيش فيه مبني على الفساد والسفاد والظلم. إن من نقل خبر السحار الأسترالي لم يكتف بزعم شفاء زوجته من السرطان، بل ملك الطاقة النظيفة بجهاز لا يزيد على حجم مكنسة كهربية؟ وهو أمر تنفق فيه المليارات لاكتشاف طبيعة السرطان؟ ولماذا يحدث؟ وأين الخلل؟ بعد أن مضت الأبحاث في اتجاه الجينات، وهو دغل عجيب من كثافة شجر لا ينتهي، يبدل موضعه باستمرار.
قال المفتونون المقلدون مثل الشعراء في كل واد يهيمون؟ إنه وضع يده على سر الطاقة، وإن العالم سيمشي على إيقاع موجات جون كينسوس؟ يكفي تسليط الأشعة فيخرج الهيدروجين مثل البخار اللطيف بعد أن يتكسر الماء إلى غازين، تماما مثل صرعة الكذاب فلايشمان من قبل، فتمشي السيارات، وتحلق الطائرات، وتندفع الصواريخ للكوكب جليسه 581 سي وإيروس على بعد عشرين سنة ضوئية؟؟ إن الخيال جميل مجنح لا يعرف السرعة ولا المسافة..
ولذا فهو يلتقط عجائب الأخبار وغرائب المعلومات، فيقتنع بها دون تحقيق وتدقيق، ويطرب القوم إذا غصهم في النوادي الاحتفال، وكثرت النوادر والطرف في المجالس مع الطرب من راقصات القنوات الفضائية والأرجيلة بمعسل تفاحتين؟