الحل .. مكاتب تأجير العمالة

حين جاءت حقبة الطفرة الأولى لمنطقة الخليج العربي في سبعينيات القرن العشرين جلبت معها مشكلة ظلت تتفاقم بحيث إنه كلما وضعت لها الحلول تولد عن الحلول مزيد من المشكلات والصعوبات. أتحدث هنا عن مشكلة العمالة، وخاصة العمالة المنزلية، التي غزتنا في غفلة منا، وبتنا لا نتخيل حياتنا من دونها، وارتكبت شعوب الخليج وحكوماتها أخطاء متتابعة حين قدموا مزيداً من التسهيلات لتواجد وتكاثر هذه العمالة في بيوتنا، رغم الخطر الاجتماعي، والثقافي، والأمني الذي يسببونه.
لو لخصت المشكلة لقلت إن لها ثلاثة أوجه رئيسية: مشكلات صاحب العمل تجاه مكاتب الاستقدام، ومشكلات صاحب العمل تجاه العامل، ومشكلات العامل تجاه صاحب العمل فأرباب العمل يعانون من مكاتب الاستقدام، وأبرز شكاواهم: تأخر المكاتب في توفير العمالة المطلوبة، وارتفاع تكاليف الاستقدام (سواء الحكومية أو غيرها)، وتلكؤ المكاتب في استقبال العمال الذين لا يرغبون العمل، وعدم مساهمتهم في حل مشكلات العمالة، وغلبة سوء الظن والتجارب السيئة تجاه المكاتب التي نادراً ما تفي بما التزمت به تجاه العميل. وفيما يتعلق بعلاقة صاحب العمل بالعامل (الخادمة والسائق) فأبرز المشكلات: هروب العمالة، وعدم الاستجابة والتعاون مع أهل البيت، ورفض العمل قبل نهاية العقد وطلب السفر، وبدور بعض المشكلات الأخلاقية من العمالة. أما أهم المشكلات التي تواجهها العمالة فهي: عدم دفع رواتبهم بانتظام، وإساءة معاملتهم من قبل أرباب العمل أو أبنائهم، وعدم توفير مكان مناسب للعمل أو النوم، وعدم إعطائهم وقتاً كافياً للراحة، وتحميلهم ما لا يطيقون من الأعمال.
وحين ننظر إلى هذه المشكلات جميعها سواء من طرف المكاتب أو رب العمل أو العامل، فإننا نجد أن منبعها واحد: أن الارتباط بين أطراف المشكلة الثلاثة مستديم طوال فترة العقد، وبناءً عليه فقد تنشأ هذه المشكلات حين يتبين أن أحد أطراف العقد قد أخل ببعض أو أغلب بنوده. وأقترح هنا ألا يكون الاستقدام شخصياً بين رب العمل والعامل، بل يكون الاستقدام من خلال مؤسسات متخصصة، تقوم باستقدام العمالة، ولنقل في المرحلة الأولى السائقين، وتدريبهم، وتوفير رخص محلية لهم، ثم تأجيرهم على من يريد بطريقة نظام العمل الكامل، أو الجزئي، أو بالساعة. مع إعطاء المكتب، أو العامل، أو صاحب العمل كامل الحق والصلاحية في إنهاء العقد، وطلب تبديل الآخر في حال حصول أي شكوى. وفي نظري فإن هذا سيحقق عدة فوائد أهمها:
- توفير بيئة أكثر إنسانية في التعامل مع العمالة، والتخلص من نظام الكفيل الذي يرهق الكفيل والمكفول فيصبح المكتب مسؤولاً عن الوضع النظامي للسائق، وتوفير وثائق إقامته ورخصته والفحص الطبي وغيرها.
- محاولة حل أزمات العمالة وشكاواهم، وهي التي تجد طريقها دائماً لوكالات حقوق الإنسان سواء الداخلية أو الخارجية فأسلوب وكالات التأجير أسلوب متبع في كثير من الدول، بما فيها أوروبا وأمريكا، وهي تتيح للعامل أن يطلب تغيير صاحب العمل لو تعرض لسوء معاملة أو حين لا يفي صاحب العمل بالتزاماته في العقد الذي يحدد بيئة العمل وساعاته.
- لو واجه أي من طرفي العقد مشكلات مع الطرف الآخر، فيحق له الرجوع للمكتب وطلب تغيير الطرف الآخر. وكذلك يعتبر المكتب ضامناً لو هرب السائق بتوفير سائق آخر لأن العقد مبني على تزويد العميل بخدمة، وليس بربطه بشخص معين.
- يتيح نظام تأجير العمالة التنافس بين المكاتب وتقديم الخدمة الأفضل بالسعر الأفضل للعميل.
علماً بأن نظام التأجير مطبق حالياً ولكن بشكل غير نظامي وبأساليب فيها كثير من الاستغلال دون تقديم أي ضمانات لا للعامل ولا لصاحب العمل فالمطلوب تقنينه وتنظيمه لحماية أطراف العقد كافة: المكتب، والعميل، والعامل لكيلا تتحول هذه المكاتب إلى مؤسسات اتجار بالبشر دون مراعاة لحقوقهم ورغباتهم. وفي مرحلة لاحقة يمكن تطبيق النظام نفسه على الخادمات، وذلك من خلال مؤسسة أو وكالة حكومية، أو شبه حكومية تقدم خدماتها للراغبين وفق شروط معينة. كما يمكن سعودة هذه الوظائف برواتب مناسبة، وبيئة عمل مقبولة، على شكل فئات عمل معينة، مثل السائقين، والمزارعين الخاصين، والمربيات، وغير ذلك. بل إن لدينا من يفضل أن يوظف من أهل البلد من يعملون لديه في منزله، ويدعم بذلك أسرة سعودية، ويساهم في حل مشكلة البطالة التي ساهم وجود العمالة الرخيصة في وجودها وتفاقمها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي