الثقة وكيف تزرع؟

ساعة اليد التي تعطي الوقت خطأ ترسل للمصلح، فإن صلحها الساعاتي واستقامت حملها صاحبها وإلا ألقاها؟
والآلة الحاسبة إذا أعطت 14 زائد 14 غير 28 كرر مالكها العملية، فإن كررت الخطأ اعتبر أنه لا يملك آلة حاسبة، بل كارثة حسابية.
وكل هذا يأتي من الثقة.
وحين يحجز الناس في المطارات والطائرات يعتمد الحجز على الثقة؛ فإذا اضطربت لم يمنح مكتب الخطوط مقاعد حجز، بل يطلب دفع ثمن التذكرة مع غرامة التبديل وتغيير الموعد، وهو المعمول به مع بعض مكاتب خطوط جمهوريات الخوف والبطالة.
والحكومة والمعارضة حين يثق كل فريق بالآخر تعاونا وإلا تقاتلا ورسخت جذور الديكتاتورية فهي شجرة أصلها في الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين.
وأول لبنة بين الزوجين هي الحب، وهي من آيات الله في الزواج، فكما كانت الشمس والنجوم والشجر والجبال من آيات الله، كذلك كان الزواج من آياته؛ فخلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها، كما خلق الليل والنهار، والنجوم مسخرات بأمره، ألا لله الخلق والأمر.
وأول ما ينبني عليه الزواج هو المودة أي الحب، ولا حب بدون ثقة، فمن أحب وثق وأعطى قلبه، ومن خان فقد الثقة بمن حوله.
لذا وجب إعطاء الثقة حتى ننال الثقة.
ولكن الويل لمن خان الثقة؛ فهي عملة لا تعوض ولا تبدل..
وكثير من استعصاءات السياسة يأتي من هذا الباب، أي باب الخيانة، فلا يثق جار بجاره ومواطن بموظف ومحكوم بالحاكم، فلا يبق وطن ومواطنة بل سيف واحتلال.
وكان غاندي يؤكد أن جنسية المحتل لا تهم ولكن طبيعة الاحتلال فلم يكن يفرق محتلا بريطانيا عن هندوسي، قال: المهم ماذا يتصرف وليس ما يلبس ويأكل وللديانة يتظاهر بالتقوى؟
وسألتني المهندسة العراقية آلاء حسن عن الثقة بالآخرين؟ فقالت: قد يكون الإنسان واثقا من نفسه ولكن الثقة بالآخرين لا تمنح اعتباطا، وهذا لا يعنى أن الأساس هو عدم الثقة، ولكن في رأيي أن الأساس هو بناء الثقة، وهذا الشيء يأتي على مراحل، ومن خلال التجارب وعبر الزمن، وعندما يستعصى البناء ويفشل فمن الصعوبة إعادة بنائه"، بل حتى ترميمه لا يبقى ذلك الأمر البسيط؟
ولعل الكذب هو أعظم البلايا، بل سرطان العلاقات البشرية، فكما يوجد ضرب من الأمراض قابل للعلاج، وسرطان ميئوس منه، كذلك كانت العلاقات الإنسانية، وحين توجد الصراحة والصدق أمكن مواجهة الأزمات وترميم العلاقات، ومع الصدق ينفع كل شيء ومع الكذب يخرب كل شيء فلا تبق ثقة ولا علاقة.
وحاليا تعيش مجتمعاتنا في ورطة فعلية في العلاقات الإنسانية، ومن جرب حظه مع السوق وهو واثق دون تمحيص وصل إلى الإحباط المقيم.
وقبل عدة أيام ذهبنا بكمبيوتر ابنتي إلى شركة سوني قالت أريد مروحة لجهازي فقد بدأ يصدر صوتا وترتفع حرارته؟ دفعنا 235 ريالا، وسألنا عن تكلفة التركيب؟ قالوا 300 ريالا ؟ استكثرنا الرقم ونصحنا صديق محب أن تغيير المروحة هو أبسط من شرب قدح عصير بارد في يوم قائظ؟ قلنا حسنا؟ ثم ذهبنا إلى محل لا نعرفه؟ وقد كتب لافتة عريضة على محله أنه دكتور متخصص في أمراض الكمبيوترات المحمولة ( دكتور لاب توب؟) قلنا لقد وصلنا إلى الطبيب المختص؟ شرحنا له المشكلة قال الأمر بسيط ؟ هل تعرف طبيعة المشكلة وعندك قدرة في التصليح؟ سألنا نحن؟ قال في العالم اثنان أنا وآينشتاين! فرحنا ولم نعلم أن الحزن سيعلونا لأن الجهاز انعطب عطبا لا أمل في إصلاحه؟ قلت لبنتي تعلمي قاعدة في حياتك ألا تلومي أحدا؟ وعلينا مراجعة سلسلة أخطائنا التي قادتنا إلى آينشتاين المزور؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي