رسالة لأهل الخير
في السعودية من أهل الخير والمعروف والإحسان ما يخجل المرء أمام تبرعاتهم وإحسانهم.
وأعرف طبيبا مقيما أصيب ابنه بعارض فطلب المساعدة، فنهض أمير شهم وتبرع لتسفيره ومعالجته بأكثر من 25 ألف دولار.
وأعرف من صديق مدرس خبط سيارة أمير يوما وكانت مرسيدس جديدة فلما عرف وضعه تنازل له عن كل شيء، بعد أن أصبحت سيارة الأمير قريبا من التشليح؟
والمهم فقد كنت في زيارة لأحفير في المغرب، واجتمعت بأخوة أفاضل هناك وقدمت العديد من المحاضرات، ثم طلبوني باعتباري طبيبا لرؤية مريضة شابة شبه مقعدة في منزلها.
وتخوفت أن يكون الموضوع شلل أطفال؟ ولم يكن كذلك بل تبين إصابتها بمرض عجيب، يقود إلى تآكل رأس عظم الفخذ، تلك الكرة العظمية القاسية التي تدخل في مفصل الحرقف في الحوض، وهو مرض نادر ولكنه إن أصاب قاد المريض إلى الإعاقة؟
قرأت في وجه الفتاة ألوانا من الحزن والانكسار؟ قلت لها قومي امشي ؟ أخذت العكازات وبصعوبة تحركت لعدة خطوات؟ إن المرض حرمها ليس فقط من الحركة، بل من بناء عائلة سعيدة فمن سيطلب يد فتاة لا تخدم زوجها وأطفالها؟
لقد حزنت معها، وسألت إن كانت قد عرضت نفسها على طبيب ؟
أجابت بالإيجاب؟
قلت هل من صور شعاعية؟
قدموها لي! وبين الفحص السريري وصور الأشعة لمفصل العظم الفخذي، ونقطة ارتكازه في الحوض، تبين إصابتها بذوبان تلك الكرة العظمية الجاسية، التي تتوج رأس عظم الفخذ عند كل واحد منا؛ فيمشي ويتحرك، ويدير فخذه وساقه في اتجاهات شتى. وهو يشبه مفصل الكتف بالدوران.
أما عند الفتاة، وبفعل ذوبان الكرة العظمية، فقد التحمت بالمفصل، وتعطلت الحركة الدورانية، ومعها الألم أشكال وألوان؟
اتصلت لفوري، ومن بيت الفتاة، بالموبايل الدولي الذي أحمله، إلى زميلي الدكتور عماد سويد، وهو جراح عظام بارع، يشتغل في مشفى المملكة في الرياض، وشرحت له المنظر الذي أراه في الصورة.
وكوني أعمل في جراحة الأوعية الدموية، فهو ليس الاختصاص الذي أمارسه، فقد جرت العادة برد كل فن لأصحابه؟ وهي المتبعة في المناقشات بين الزملاء؟
عرف العلة فورا وعلى التليفون وقال هو ما ذكرت؟ أخذت الصور الشعاعية منهم، ورجعت بها إلى المملكة وعرضتها عليه من جديد؟ قال الأمر كما قلت لك، وهي تحتاج إعادة وضع رؤوس معدنية في مكان رأسي عظمي الفخذ الذائبين الملتحمين بالمفصل؟ قلت له وكم تكلفة تغيير الرأس مع العملية؟ قال لي ربما 50 ألف ريال لكل رأس؟ وهكذا فهذه الفتاة البائسة مشيها وعودتها للحياة الطبيعية وتخلصها من آلامها وإعاقتها لا يحتاج إلى أكثر من 100 ألف ريال يزيد وينقص.
وأنا رجل أكتب والكتابة مسؤولية لإيصال كلمات المعذبات والمعذبين لضمير أناس كثيرين، وأنا أتوقع أن تصل كلماتي هذه لرجل خير يأخذ على نفقته معالجة هذه الفتاة، زكاة لأمواله، وصدقة تنفعه يوم يقوم الناس لرب العالمين، فلا خير فينا إن لم نفعلها، ولا خير فينا إن لم يساعد غنينا فقيرنا. تمنيت أن أكون غنيا كفاية حتى أتحمل نفقة هذه الفتاة ولكننا معشر من يكتب مفلسون في العادة، وعسى الرب أن يكتب لهذه الفتاة رجل خير يتولى الإنفاق عليها ومعالجتها في المملكة، فيكتب في الصالحين، ويرى بعينيه الفتاة وهي تمشي بقدمها وترجع سعيدة، فتبني عائلة سعيدة، وينظر المحسن بسعادة إلى ماله كيف نما عند الله إلى 700 ضعف إلى أضعاف كثيرة..