الكلمات بريئة نحن من يشحنها بالمعنى
أرسل لي أخ كريم يعترض على استخدامي كلمة فلسفة القرآن؟ ونحن من
يكتب ننمو بعين النقد أكثر من الثناء
وليس خمرا كالثناء ولا علقما كالنقد
وليس نقدا كنقد
فمنه ما تنشرح له الروح وتطرب، ومنه ما تغتم منه وتكرب.
ولكن تحمل النقد مشعر النضج والسلام.
والفلسفة كلمة الحكمة، وقد تعني غير ذلك، والكلمات بريئة نحن من يشحنها بالمعنى.
وابن تيمية كتب كتابا كاملا بعنوان العقيدة الواسطية، كما كتب بولس رسالته لأهل إفسوس، وليس في القرآن كله كلمة عقيدة وعقدة، بل العروة الوثقى.
وهو ما دفع الأفغاني أن يجند هذه الكلمة لرسالته التنويرية من فرنسا.
وهو عند البعض ماسوني رجيم، وعند الكثير مفجر الإصلاح في الشرق الأوسط ورأس اللهب والشمعة رحيم.
فإذا هم فريقان عند ربهم يختصمون.
من المهم إذن أن ننتبه إلى أن اللغة كلمات، وهي قد تعني ما يراد منها وقد تعني العكس، وحسب البرمجة اللغوية العصبية فالكلمات لا تقرب من الإمساك بالمعاني أكثر من 17% ؟ وقد يكون كلامهم صحيحا، وقد يكون كامل الغلط أبعد من برك الغماد.
والقرآن قال عن الكلمات منها ماله سلطان، ومنها كلمات ما أنزل الله بها من سلطان؛ فوجب التفريق، كذلك يضرب الله الحق والباطل.
والقرآن حامل الحقائق، نزل بلسان عربي مبين، ولم يكن أمامه إلا أن يدخل نفق اللغة؛ فهي سبيل عبور التخاطب، وجواز سفر التفاهم، وطريقة الوصول إلى البشر. كان ذلك في الكتاب مسطورا والله يقول وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم؛ فليس من بيان بغير لغة، ولكن قد تكون اللغة مضللة جدا. وكهنة أوروك وفرعون كانوا أكثر الناس استخداما للكلمات، وأكثرهم تضليلا للجماهير الحمقاء المغفلة، ولكن أكثر الناس يجهلون.
ولذا فمن وقف في وجه الأنبياء هم الكتبة والفريسيون والصديقيون بتعبير الإنجيل، أي الحرفيون المتعصبون المتشددون، الذين يقرؤون النصوص مثل حشرة العت؟ فيلتهمون الورق ولا يفقهون الفرق. وأصحاب المصالح من عبدة الطاغوت، والعلمانيون الذين لا يؤمنون بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله تعالى. ولذا فنحن حين نستخدم بعض الكلمات في توظيف الأفكار علينا أن نرجع إلى قاعدة ابن خلدون أو ما سميتها أنا قاعدة النحال والقفير.
بمعنى أن الكلمات رموز أو توابيت وأغلفة للمعاني وملابس تخلع وتوضع، وحين يختلط المعنى، علينا أن نخرج الكلمة من تابوتها ونخلع عنها لباسها، ونرجع إلى السماء، حيث تشع شمس المعاني؛ فنقنص المعنى، ثم نلبسها ما نشاء من الألفاظ وجميل اللباس، فتخرج حية، بإذن ربها، بأحلى حلة وهندام. وكما تموت الأجسام كذلك تموت الأفكار والكلمات، والكثير من كلماتنا وأفكارنا تنتمي لثقافة ميتة، يجب أن تدفن بخشوع واحترام، ولكننا نرفض ذلك فتتعفن الجثة وتخرج رائحتها وتنشر وبال المرض. ولكن وما هي تلك التي ماتت؟ ثم من يعترف؟ مع قبيح الرائحة وعظيم الخطروكذلك يفعل النحال حين يضع على خلايا النحل رموزا وحجارة، فإذا اختلطت عليه رماها ورجع إلى الواقع. فالواقع هو اللغة التي لا تزيف ولا تبدل ولا تحول كما يقول الرحمن؛ ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا. التبديل بالاستبدال، والتحويل بحرف المجرى.وأي صخرة وشجرة ونهر وجبل في الأرض هو أدل على نفسه من أي كلمة قيلت حوله، ولو كان مصدرها ما كان ومن قال؟
تلك آيات الله ولكن أكثر الناس يمرون عليها وهم عنها معرضون..