المساهمات العقارية.. ضُبطت ابتداء ولم تضبط انتهاء
بداية لا بد من القول إن الوضع قبل عام 1426هـ لم يكن مقبولا فيما يتعلق بطريقة طرح المساهمات، وبالتحديد العقارية منها، مما تسبّب في كم هائل من المنازعات والاختلافات وسُمح لمَن ليس لديه القدرة والائتمان والضمانات أن يقوم بجمع الأموال من الغير بحجة شراء عقار وتطويره، والوعد بأن عائد المساهمة كبير مما أدى بكثير من الناس إلى المشاركة في هذه المساهمات ثقة بالقائمين عليها من جهة وبالجهات الحكومية التي سمحت لها بالإعلان والتسويق من جهة أخرى، الأمر الذي جعل بعضهم يبيع أصوله أو يأخذ تمويلا ليغتنم الفرصة قبل أن تفوت إلا أن الذي حصل كان مفاجئا للكثير حيث تعثر كثير من هذه المساهمات وبالذات المليارية منها، تنوعت الأسباب ما بين نصب وتحايل وقلة خبرة وسوء إدارة إلا أن النتيجة النهائية كانت الخسارة وعدم تسليم أصحاب الحقوق حقوقهم. على كل حال كان هذا الوضع مستمرا إلى عام 1426هـ عندما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 220 والذي شدد في أحكام طرح المساهمات العقارية واشترط أن تكون وفق لائحة الصناديق التي تصدر من هيئة سوق المال والتي صدرت بتاريخ 19/6/1427هـ، وقد تضمنت كثيراً من الضمانات، ومن ذلك الوقت لا تسمع عن مساهمة عقارية مطروحة للعموم إلا من خلال هذه الصناديق. والمتأمل لبنود قرار مجلس الوزراء المشار إليه وما تعلق به من قرارات صادرة من وزير التجارة يلاحظ أنها تنصب فقط على تنظيم طرح المساهمات واشتراطاته ولم تنظم ما يتعلق بتصفية المساهمات، وقد استقر الوضع كثيرا وتوقف التحايل على الناس إلى حد كبير، لكن معاناة الناس لم تنته، حيث بقيت إعادة أموالهم إليهم.
من هنا تبدأ قصة أخرى فبعض المساهمات وصل إلى أروقة المحاكم أو ديوان المظالم وبعضها لم يصل بعد، حيث إن أصحابها أقنعوا المساهمين بقدرتهم على إدارتها إلى حين تصفيتها، وآخرون تحسبوا ونسو أو تناسوا وبعضهم توفوا وحل أولادهم محلهم. أما القضايا المنظورة في القضاء فقد حصل في بعضها تنازع في الاختصاص المكاني أو النوعي ومضت بعض السنوات إلى أن تم البت في الاختصاص في بعضها، ولما تحدد الاختصاص وتم نظرها من قبل القضاء المختص فإنه لم يفصل في أغلبها حتى الآن ولا شك أن إجراءات المحاكم وطبيعة هذه القضايا وتعدد أطرافها وصعوبة اتخاذ القرارات فيها أدت إلى إطالة أمد الكثير منها، ولابد من الإشارة هنا إلى النجاح البين لتصفية مساهمة جزر البندقية من قبل المحكمة العامة في جدة والمنظورة من قبل فضيلة القاضي حمد الخضيري، وسيكون لها مقال خاص إن شاء الله. وعلى كل حال أغلب القضايا – بغض النظر عن الأسباب - لم يتم الفصل فيها ولم تصل للمساهمين حقوقهم، فما الحل؟.
لا أشك أنه لا حل إلا من خلال القضاء والقضاء فقط، وقبل أن يتأفف البعض مستحضرا حال المساهمات العقارية في أروقة المحاكم والتي أشرت إليها سابقا، فإنني لا أرى أن يكون ذلك وفقا للإجراءات الحالية في المحاكم، وأن الأمر يتطلب شيئاً من الاستثناء في نظرها من جهة الاختصاص المكاني والنوعي والإجراءات. نعم، نحن في حاجة إلى ذلك كله، فالأمر خطير اجتماعيا وإنسانيا واقتصاديا، بل أمنيا، المبالغ المجمدة في هذه المساهمات كبيرة جدا تقدر بمليارات الريالات والمساهمون بعشرات بل مئات الآلاف وكثير منهم من ذوي الدخل المحدود والأرامل والأيتام بل من الجمعيات الخيرية. كل هذا يجيز أن تكون هناك إجراءات استثنائية تصدر بنظام عاجل ينظم تشكيل لجنة قضائية من ثلاثة قضاة من المحكمة العامة وديوان المظالم ويحدد اختصاص اللجنة بالمساهمات العقارية وفق ضوابط محددة، وبهذا نقضي على التنازع بين المحاكم وديوان المظالم أو المحاكم فيما بينها فيما يتعلق بالاختصاص بأنواعه، وتفرغ هذه اللجنة للنظر في المساهمات، ويساندها متخصصون من المحاسبين والقانونيين والخبراء من عقاريين وغيرهم، ويكون للجنة الحق في تصفية المساهمة في الحال أو تعيين حارس قضائي لإدارتها ومن ثم تصفيتها، ويكون هناك لجنة استئنافية تختص بالنظر في الاعتراضات على قرارات هذه اللجنة.
الوضع الحالي والمتمثل في نظر قضايا المساهمات العقارية كما تنظر قضية المطالبة بقسط إيجاري لا يتعدى ألفي ريال أمر لا يمكن أن يُنهي هذه القضايا بالسرعة والكفاءة المطلوبتين، كما لا أظن أن التنظيم الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 130 في 7/5/1429هـ صالح أيضا، حيث جعل للجنة برئاسة وزير التجارة وعضوية عدد من الجهات الحكومية النظر في المساهمات العقارية، وجعل لها الحق في تصفية ما تراه، لكن ما العمل فيما لو رفض صاحب المساهمة أو المساهمون إجراء من إجراءات اللجنة وبالذات التوجه للتصفية؟ ومَن سيقوم بذلك، وكيفية الاعتراض عليه؟ في النهاية سنرجع إلى القضاء، إذا.. لنبدأ به.