أين المركز الوطني للطب البديل؟!
يقع متوسطو المعرفة والباحثون عن الخلاص من آلامهم، فريسة سهلة للإعلانات والمقابلات التي تنشر في وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت مع عدد من مركبي الوصفات العشبية التي تداوي السكر، الصلع، الضعف الجنسي، الحساسية المفرطة للجلد، وأمراض السرطان، وغيرها من الحالات، والمريض من هؤلاء كالغريق في البحر يتمسك بأي شيء لإنقاذ نفسه.
وهذا الأمر منتشر في الوطن العربي ويمارس بشكل واسع، في حين أنه يتطلب إعطاء التصاريح من الجهات المختصة لممارسي هذا النوع من الخلط العشوائي للأعشاب، الذي يؤدي استخدامه غير المدروس إلى نتائج عكسية على المستخدم. أما ما جرت عليه العادة من استخدامات لبعض الأعشاب المعروفة لمعالجة بعض الظواهر الصحية العارضة كالإمساك ونزلات البرد، فإنها تظل رغم التجارب الطويلة لها، تحمل بعض التساؤلات، وخصوصاً في ظل المتغيرات البيئية الحديثة مثل: قلة النشاط البدني والتعرض للكيماويات أو الإشعاعات أو اختلاف درجات حرارة الأرض ونوعية الغذاء، وغيرها.
وكان مجلس الوزراء برئاسة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، قد أقر خلال جلسته في 10 آب (أغسطس) 2008 إنشاء مركز وطني للطب البديل والتكاملي بإشراف وزارة الصحة، ويعمل باعتباره جهة مرجعية وطنية في كل ما يتعلق بنشاطات الطب البديل والتكاملي، ويرتبط بوزير الصحة مباشرة. ومن مهامه: وضع الأسس والمعايير والشروط والضوابط لمزاولة مهنة الطب البديل والتكاملي وإجراء المسوحات والدراسات والبحوث المتعلقة بذلك، إضافة إلى إصدار التراخيص بمزاولة مهنة الطب البديل والتكاملي ووضع الضوابط والمعايير للمحافظة على توثيق علوم الطب البديل والتكاملي، وخاصة الطب الإسلامي والعربي.
ومع تزايد الإقبال من جميع الناس على الطب البديل الذي تدخل فيه عناصر مختلفة للتداوي والتطبيب كالأعشاب، التجبير، الحجامة، والتدليك، وغيرها من الطرق، ولجوئهم إليه بعد أن يئسوا من الطب الحديث بسبب تأخر نتائج علاجهم وتخليصهم - كما يظهر لهم - مما يعانونه من أمراض، لهذا يأتي قرار مجلس الوزراء في فترة حرجة وحالة ملحة لاستغلال الطب البديل واستثمار تطبيقاته لمداواة المرضى وفق الأصول المعتبرة لعلم الطب البشري وتنظيم ممارستها وسط المجتمع السعودي. والطب البديل علم لا يستهان به، ويدرس في دول متفرقة من العالم منها بريطانيا وأمريكا، التي حاربت هذا الطب سنوات طويلة وعادت بعد كشف نجاحاته في الصين والهند ودول أخرى، إلى فتح المجال لتدريسه في الجامعات وحتى مستويات الماجستير والدكتوراه، وأنشئ له مراكز بحوث عملاقة. وهذا الطب تتفرع منه ممارسات طبية قديمة استمرت عبر آلاف السنين، وتناقلتها الأجيال عن طريق التجربة ونقل المعلومات، وتكون حصيلة ثرية من التجارب الناجحة لعلاج عديد من الحالات المرضية.
تتميز المملكة بالتنوع البيئي وتعدد النباتات العشبية في مناطقها مترامية الأطراف، حيث إنها من ناحية الظروف المناخية تتمتع بأجواء المناطق القارية والمناطق الحارة والمناطق الباردة والمناطق المعتدلة، ولكل منطقة آلاف الأنواع من النباتات وجميعها خاضعة للدراسة، وتم حصرها ورصدها بالكامل، وأقرب شاهد مركز أبحاث النباتات الطبية والعطرية والسامة في كلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، إلى جانب متحف العقاقير في الكلية نفسها. يحفزنا كل ذلك من المخزون الثري إلى تأصيل ممارسة طب الأعشاب وتقنين تداولها بين الناس.
إن ممارسة الطب البديل التي لا تحكمها ضوابط ولا تنظيمات، ستجعلنا لا نستفيد من المميزات والإيجابيات التي يعرفها المختصون للعلاج بالطب البديل أو التداوي بالأعشاب. ونناشد من هذا المنطلق وزارة الصحة أن تسارع إلى تفعيل قرار مجلس الوزراء، وخاصة أن جميع الأنظمة واللوائح ممهد لها من منظمة الصحة العالمية منذ سنوات طويلة تستند إليها المراكز الوطنية للطب البديل في العالم لمراقبة التداوي وطرح كل ما هو جديد في علم الطب البديل، ومراقبة التداوي بالأعشاب.
ويتبقى على وزارة الصحة استقطاب المختصين بممارسة العلاج بواسطة هذا النوع من الطب البديل وأصحاب الرأي والمشورة والخبرة من الأطباء والصيادلة، إلى جانب ذوي الخبرة في طب الأعشاب، ويستفاد من الدول ذات التجارب الناجحة كالصين والهند وغيرهما من الدول. وبإنشاء هذا المركز تكون وزارة الصحة قد أزالت عن كاهلها عبء متابعة قضايا العابثين بصحة المواطنين من الأطباء الشعبيين والعطارين الذين ليس لديهم خبرة يعتمد عليها، ويمكن من خلاله تطبيق نظام التصاريح لممارسي الطب البديل، ومراقبة نشاطاتهم، ووضع معايير للأدوية العشبية من حيث طرق التخزين والتعبئة وتاريخ الصلاحية وفق مقاييس عالمية.