بين قيادة الحمير وقيادة السيارات!
قبل أيام وبينما كنت متجهاً إلى عملي في صباح مزدحم من صباحات الرياض فوجئت بسيارة ترتطم بسيارتي وأنا أقف في أمان الله عند أحد التقاطعات.. لم يكن ارتطاماً عنيفاً ولله الحمد, لكن سائق السيارة الأخرى نزل من سيارته صارخاً ومردداً: "انتا مافي شوف"؟!
كان سائقاً من جنسية شرق آسيوية (أظنه مازال يتعلم القيادة) وفي المقاعد الخلفية للسيارة التي يقودها تجلس سيدة سعودية مع أطفالها, وهو ما اضطرني للنزول من سيارتي للاطمئنان على الوضع.
كان الأطفال ووالدتهم خائفون جداً وأحمد الله أنهم لم يصابوا بمكروه فقد كان الاصطدام بسيطاً ولم تنتج عنه أي أضرار واضحة فكل ما هناك مجرد خدش في طلاء سيارتي بينما سيارتهم لم تتضرر.
ولا أخفيكم أنني حمدت الله على السلامة وطلبت من السائق رقم هاتف كفيله أو رب الأسرة التي ينقلها لأتحدث معه وأحذره من المجازفة بأرواح أطفاله مع سائق كهذا, فما كان منه إلا أن اتجه إلى السيارة وعاد بعد دقيقتين أو أكثر رافضاً رفضاً قاطعاً أن يدلني على كفيله, وفهمت من حديثه أن الأسرة الموجودة في السيارة لا ترغب في أن يعرف ولي أمرها شيئاً عن الحادث, حتى لا يحرمهم من الخروج مستقبلاً مع السائق بسبب هذه الحادثة!
عدت إلى سيارتي ومضيت في طريقي وأنا أفكر في حال الكثير من أبناء هذا المجتمع الذين يلقون بأسرهم بهذا الشكل مع سائقين أجانب لم يتمكنوا من تعلم القيادة بعد.
ألا يخاف هؤلاء على أرواح أطفالهم وزوجاتهم؟
أليس لديهم أي إحساس بالمسؤولية تجاه هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين يفترض أن يكون رب الأسرة مؤتمناً عليهم؟
أسئلة كثيرة دارت في ذهني.. وتفكرت في حال أغلب السائقين الأجانب الذين يأتون إلى هذه الأرض بحثاً عن الرزق بأي وسيلة كانت حتى وإن كانت قيادة السيارات, وهم الذين لم يجيدوا في وطنهم الأصلي سوى قيادة الحمير و الدواب الأخرى.
في أغلب دول شرق آسيا التي تصدر العمالة إلى بلادنا يتم بيع تأشيرة العمل على العامل الراغب في طلب رزقه خارج بلاده بمبالغ طائلة من قبل سماسرة العمالة في بلاده وهي عملية يضطر العامل معها إلى بيع معظم ممتلكاته, وإن كانت تأشيرة العمل بمهنة سائق خاص فسيدفع مبلغاً إضافياً للحصول على رخصة قيادة (أي كلام) على أمل أن يتعلم القيادة في شوارعنا بسيارة كفيله!
ثم إن هناك أسئلة محيرة لم أجد إجابة عنها هي: إن كان هناك رجال لا يشعرون بالمسؤولية تجاه أسرهم, فكيف تقبل بعض النساء المجازفة بأرواحهن وأرواح أطفالهن ويفضلن الاستمرار في هذه العملية على أن يعلم أزواجهن بأن السائق يشكل خطراً على أسرته؟ ما هي الطريقة التي يفكرن بها؟ هل باتت أرواحهن وأرواح أطفالهن رخيصة إلى الدرجة التي تجعلهن يقدمن عليها عملية وجود سائق ينقلهن من مكان إلى آخر والموت يتخطفهن؟!
إنها مأساة حقيقية فعلاً إن كنا قد وصلنا إلى هذه الدرجة من اللامبالاة, وعدم المسؤولية.
أكتب هذا وأنا لا أعلم إن كانت تلك الأسرة التي رأيتها صباح ذلك اليوم والتي لم ترغب في أن يعرف ربها بأمر السائق (الغشيم) لم تتعرض للأذى حتى الآن!