الاستثمار الصحي .. ضرورة تعديل القانون

بعد أن صدر نظام المؤسسات الصحية الخاصة ولائحته التنفيذية قبل خمسة أعوام, الذي يشترط وجود طبيب في ملكية المؤسسات الطبية الخاصة, يعيد مجلس الشورى النظر في ذلك النظام ويبحث إلغاءه كاملا أو تعديله بما يتفق مع مبادئ حق الملكية في الشريعة الإسلامية, حيث تكونت قناعات بعدم عدالة بعض نصوص النظام واللائحة, خصوصا ضرورة وجود شريك للمستثمر على أن يكون الشريك طبيبا, فهذا الشرط غير دستوري لأنه يتعارض مع النظام الأساسي للحكم, ولأن مبادئنا الدستورية واضحة بجلاء فإن من لديه خلفية في علوم الشريعة الإسلامية سيقول إن المشاركة الإجبارية تخالف مبادئ الشريعة, كما أن من لديه خلفية حقوقية سيقول إن النص غير دستوري، هذا ولو تصفحنا ما دونه الفقهاء لما وجدنا نصا أو رأيا فقهيا يشفع لمثل ذلك النص في الخروج فكيف يكون له نصيب من التطبيق.
هنا يجب أن تكون الحماية لمقتضيات المصلحة العامة التي حرص النظام الأساسي للحكم على وضع قواعدها وإرساء أسسها فلا يجوز مخالفتها حتى ولو على سبيل الاجتهاد, لأنه سيكون خاطئا, فالمادة الـ 17 منه تنص على أن "الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية في الكيان الاقتصادي والاجتماعي للمملكة وهي حقوق خاصة تؤدي وظيفة اجتماعية وفق الشريعة الإسلامية" والمادة الـ 18 منه أيضا تنص على أن "تكفل الدولة حرية الملكية الخاصة وحرمتها ولا ينزع من أحد ملكه إلا للمصلحة العامة على أن يعوض المالك تعويضا عادلا".
لقد أمضى المستثمرون في القطاعات الصحية فترة طويلة من الزمن في تأسيس وإدارة وتطوير مشاريعهم حيث عقد المستثمرون في القطاع الصحي اجتماعات متعددة وأجمعوا على رفض الفكرة لعدم عدالتها, بل لأنها تؤدي إلى إلزام أصحاب المؤسسات الصحية بمشاركتهم على سبيل الإجبار في ملكيتهم الخاصة, وهذا يتعارض مع النهج الذي سارت عليه الأنظمة السعودية التي تلتزم بعدم مخالفة أحكام الشريعة, حيث لا يجوز الإجبار على المشاركة في التملك أو الاستثمار, فالملكية حق محترم له أسبابه ومصادره وليس منها المشاركة بالتملك جبرا على المالك أو الملاك, ولا يجوز انتزاع المال من صاحبه إلا في حالات محددة على سبيل الحصر وبتعويض عادل.
إن الطب مهنة وخدمة ونشاط استثماري ضخم, وهو ممارسة مهنية من قبل طبيب متخصص, ولكن المستثمر ليس طبيبا في كل الأحوال, والمستثمر أيضا لن يمارس المهنة ولكن سيستثمر رأسماله في إنشاء وإدارة مستشفى أو مجمع عيادات طبية أو نحوه, فالمؤسسات الصحية ليست مجرد عيادات صغيرة, إنها مشاريع ضخمة يتم فيها توفير فرص العمل للأطباء والإداريين وغيرهم, وهذا ليس فيه تعد على مهنة الطب, ويبدو أن هذه الفكرة الغريبة التي تجعل من الأطباء مشاركين للمستثمرين في مؤسساتهم الصحية أو يتعرض المستثمر لخسارة مشروعه أو إغلاقه أو البحث عن طبيب يقبل المشاركة على سبيل التستر التجاري نابعة من ترجيح كفة المهنيين على المستثمرين باعتبار أولوية الأطباء في مجال مهنتهم.
إن الطب مهنة استئثارية في ممارستها ولكنها ليست نشاطا تجاريا خاصا بالأطباء أو يجب أن يشاركوا فيه قسراً وهي إن قبلت في فترة ما قبل تخلي العالم عن نظرية الملكية الاجتماعية التي أدت إلى خلق إشكالية في حقوق الملكية للمشاريع وأضرت بالحافز الاستثماري حتى تخلى البعض عن مشاريعهم في سبيل عدم الخضوع للقبول بشريك يجبرون عليه رغما عنهم, فإنها لم تعد مقبولة في أقل الدول انفتاحا اقتصاديا, ولأنه لا يصح إلا الصحيح, فإن من المتوقع أن يتم إلغاء ذلك النظام أو تعديله, وهذا ما يقوم به مجلس الشورى حاليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي