العلاقات الصينية الأمريكية .. ماذا يمكن للصين أن تتوقع من أوباما؟
تبدأ وزيرة الخارجية الأمريكية أول جولة لها في الخارج إلى آسيا كرئيسة الدبلوماسية للولايات المتحدة، في هذا الأسبوع، ومع أن القيادة في كل العواصم الأربعة التي ستزورها متلهفون لجسّ نبض الحكومة الأمريكية الجديدة، فإن بكين قد تكون أكثر لهفة لمعرفة تفكير إدارة أوباما إزاء الصين ورؤيتها للعلاقات الأمريكية الصينية، وهو موضوع كان غائبا بصورة جوهرية عن المسيرة للانتخابات الرئاسية في السنة الماضية.
ومع أنه لا يزال مبكرا جدا إعلان جوهر سياسة أوباما نحو الصين، فقد يكون مفيدا أن نتكهن بمستقبل العلاقات الصينية الأمريكية من سياق الأنماط التاريخية للسياسة الخارجية الأمريكية.
تقول نظرية في دراسة السياسة الخارجية الأمريكية إن تطور السياسة الخارجية الأمريكية يتصف بفترات تبادلية من الانطواء على الذات والاهتمام بالأمور الخارجية أو "الدفاعية والهجومية"، مع استمرار كل فترة نحو ربع قرن.
وبدأ المشهد الأخير من الاهتمام بالخارج/ الهجومي في ثمانينيات القرن الماضي، خلال إدارة ريجان، والتي ظهرت في "الحرب الباردة الثانية" وبلغت ذروتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، وإذا قبلنا بمنطق هذه الرؤية، يمكن للمرء أن يقول إنه بعد نحو 25 سنة من توسع النفوذ الأمريكي، فإن السياسة الخارجية الأمريكية قد تدخل فترة أخرى من الانكماش الاستراتيجي في ظل إدارة أوباما.
ويبدو أن المؤشرات الأولى منذ تولي الرئيس أوباما للسلطة تشير بذلك الاتجاه، فقد كان خطاب تنصيب أوباما في تناقض حاد مع الخطاب الذي ألقاه جورج دبليو بوش بطرق كثيرة مهمة، فبدلاً من الدعوة إلى حملة صليبية إيديولوجية لنشر الحرية والديمقراطية للقضاء على كل الأنظمة الاستبدادية في العالم، فإن أوباما افترض أن الولايات المتحدة مستعدة لأن تكون صديقة كل الدول في العالم، وحتى "لمد اليد" إلى تلك الدول التي كانت على "الجانب الخاطئ من التاريخ".
وأشار إلى أن القوة الأمريكية لا تخولها للقيام بكل ما يرضيها، وأكد على الاستخدام الحصيف للقوة، فالدبلوماسية وليس خطاب "معنا أو ضدنا" للعمل العسكري الاستباقي، يبدو أنها تمثل سياسة أوباما الخارجية، وظهر هذا بشكل واضح من خلال زيارته إلى وزارة الخارجية بدلاً من زيارة البنتاجون في اليوم الثاني من رئاسته.
وإذا كان مقبولا أن نفترض ذلك ككل، فإن السياسة الخارجية الأمريكية في ظل أوباما في ولايته الأولى، قد تتحول إلى انطواء على الذات، الانكماش بدلا من الاهتمام بالخارج/ التوسع، فماذا يعني هذا بالنسبة للعلاقات الصينية الأمريكية؟
وإذا استرشدنا بالتاريخ الحديث، فإن سياسة خارجية أمريكية معتدلة ودفاعية عموما ليست خبرا سيئاً للصين، ففي أثناء آخر فترة من الانكماش الاستراتيجي الأمريكي خلال إدارة نيكسون حين تحسنت العلاقات الصينية ـ الأمريكية، وبذلك فتحت عهدا جديدا من التعاون الاستراتيجي لنحو عقدين، واحتاجت واشنطن إلى مساعدة بكين للخروج من حرب فيتنام والتصدي للتهديد السوفياتي المتصور، وهذه الفترة الجديدة من التغيير الاستراتيجي في ظل أوباما قد تحاكي تلك الفترة.
وعلى أية حال فإن رسم السياسة خلال سنوات أوباما قد يختلف عن عهد نيكسون، فبادئ ذي بدء، قد ترى بكين استمرارية في سياسة أمريكا إزاء الصين أكثر منها حول قضايا سياسة خارجية رئيسة أخرى تواجه إدارة أوباما، وكانت السياسة نحو الصين إحدى "النقاط المضيئة" القليلة في سياسة جورج بوش الخارجية، وكما ترى الصين الأمور، حيث إنها أثبتت نجاحها، فإنه لا يوجد أي حاجة ملحة فعلا لتعديلها، وإضافة لذلك، وبوجود الكثير من القضايا على طاولة أوباما فإن سياسته نحو الصين من غير المحتمل أن تشغل موقعا مركزيا على الخطة الشاملة.
لكن ذلك لا يعني أن الصين ليست مهمة، فالحقيقة الماثلة في أن أول جولة خارجية لكلينتون تشمل بكين، تشير إلى أن فريق أوباما يدرك الأهمية الاستراتيجية للصين، وإيلاء انتباه أقل في المستقبل يمكن أن يوحي أن العلاقات الأمريكية ـ الصينية مستقرة نسبيا، ومن المحتمل تأجيل التغيير والمبادرات الجديدة بسبب قضايا أكثر إلحاحا تواجه السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية وآثار خطاب هيلاري كلينتون في جمعية آسيا قبل مغادرتها، بوضوح إلى خروج في المفاهيم عن إدارة بوش، الصين في صعود ليست بالتحديد عدوا.
بعد أن تسلم أوباما مهام منصبه، فقد أبلغ الزعيم الصيني، هو جنتاو، بصورة منفصلة، أنه ليست هنالك علاقة ثنائية أهم من العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. وإن من شأن تقليل التركيز على التنافس الاستراتيجي التقليل من احتمالات تحدي الولايات المتحدة للمصالح الوطنية الرئيسة للصين. وتتوقع الصين، بالنسبة للأمور الأشد حساسية، مثل قضية تايوان، أن يمارس أوباما سياسة أكثر انضباطاً، وأقرب إلى الإيجابية.
على الرغم من ذلك، فإن شكوك أمريكا الاستراتيجية إزاء النوايا بعيدة المدى للصين، لن تتبخر. وحين تكون الولايات المتحدة مكشوفة داخلياً وخارجياً، فإن حساسيتها تزداد إزاء القوة العسكرية الصينية المتزايدة. وتعكس التعليقات الأخيرة من جانب وزير الدفاع، جيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، مايك مولن، هذا التفكير.
لذلك فإن من المهام الفورية للبلدين الاستفادة من "نافذة الفرصة الاستراتيجية" لتأسيس علاقات أقوى، وأعلى ديناميكية، والتوصل إلى علاقات عسكرية أشد شفافية، حيث كانت العلاقات فاترة، وهشة أيام إدارة بوش. ويمكن لحوار استراتيجي على مستوى رفيع أن يشكل مطلباً ملحاً إضافة، إلى الحوارات السياسية والاقتصادية. وإن تحرك الصين الودي من أجل استئناف تبادل المعلومات بين جيشي البلدين يعد خطوة حكيمة. ولكن على الصين أن تأخذ في اعتبارها المزيد من الحسابات الحكيمة أثناء تطويرها لقوتها العسكرية.
إن تعيين مبعوثين خاصين إلى الشرق الأوسط، وأفغانستان وباكستان، يشير بوضوح إلى أولويات السياسة الخارجية لأوباما. ولكن واشنطن ستقدر للصين مساعدتها في استقرار الأوضاع في كل من أفغانستان، وباكستان. وأما بالنسبة للأمور ذات العلاقة بأطراف ثالثة، مثل كوريا الشمالية، السودان، إيران، وماينمار، فإن إدارة أوباما يمكن أن تكون لديها توقعات إيجابية أعلى من جانب الصين، بالمقارنة مع توقعات إدارة بوش، وبالذات حين تنشغل واشنطن بالشرق الأوسط، وغرب آسيا. وبالنسبة إلى مواضيع عالمية، مثل التغير المناخي، وقضايا الطاقة، والمساعدات الإنسانية، فإن من المحتمل أن تطالب إدارة أوباما الصين بمزيد من ممارسة القيادة، والتعاون. وتتضمن بنود أجندة عمل وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، توجهات متعددة بهذا الخصوص. وعلى بكين الانتباه أكثر إلى مثل هذه القضايا الناعمة التي يمكن أن تكون الأشد تأثيراً على علاقات البلدين.
إن من شأن تركيز إدارة أوباما على الاقتصاد المحلي، جعل قضايا مثل التجارة، والعملات، والوصول إلى الأسواق، والملكية الفكرية، علامات أشد دلالة على تطور العلاقات بين الجانبين. وفوجئ المسؤولون الصينيون تماماً بتصريحات وزير الخزانة الأمريكي، جايثنر، حين قال إن الصين تتلاعب بعملتها. وتشير ردود الفعل الحادة من جانب المسؤولين الصينيين، بمن فيهم رئيس الوزراء، وين جيابو، إلى خيبة أمل الصين، من أنها ستصبح، مرة أخرى، كبش الفداء لمشكلات أمريكا الاقتصادية الخاصة. ويعتقد كثير من الصينيين أن بلادهم تساعد الاقتصاد الأمريكي، ولا تؤذيه من خلال دورها "كبنك لأمريكا". وكما قال رئيس الوزراء الصيني، فإن من غير الإنصاف لوم من يقرضون الأموال لمساعدة أولئك الذين يسرفون في الإنفاق.
وإذا انتهجت واشنطن، وبكين، أساليب أكثر ملاءمة إزاء بعضهما بعضا، فإن علاقاتهما يمكن أن تدخل مرحلة "الفرصة الاستراتيجية"، حيث يمكن أن يعمل ذلك على معالجة الكثير من المشكلات قصيرة وطويلة المدى. ولذلك، فإن البلدين بحاجة إلى حوار أصيل يشمل طيفاً واسعاً من القضايا الدولية والثنائية، بغض النظر عن إطار ذلك الحوار. وإن ملاحظات هيلاري كلينتون بخصوص "حوار شامل مع الصين" تعد ذات مغزى مهم في هذا الصدد. ولا يستطيع قادة البلدين تفويت فرصة الاستفادة من "نافذة الفرصة" هذه، حيث إن من شأن ضياعها التضحية بالمصالح الحيوية لهذين البلدين العظيمين، وكذلك التضحية بمصالح بقية العالم.