معتوق شلبي .. متقاعد لم يتقاعد

فيما مضى كنت دائماً أتعجب وأستنكر مما يكتب في صحفنا المحلية من كلمات الوفاء والعرفان والمدح والإشادة بالنماذج الناجحة والفاعلة في جميع مناحي الحياة العلمية والأدبية والاجتماعية بعد رحيلها، ومصدر ذلك الاستنكار قناعتي بأنه لا فائدة من التكريم والعرفان بعد الممات، ومن حق الإنسان المنتج المعطاء أن يحصل على التشجيع والتكريم وهو حي يرزق، وفي قمة العطاء حتى يشعر بتقدير المجتمع ومن هم حوله بجهوده ويستمر في مسيرته، واليوم أجد نفسي أسير في الخطى نفسها مع أبناء جلدتي أكتب عن وكيل وزارة الإعلام المساعد سابقا معتوق شلبي ـ رحمه الله، بعدما انتقل إلى رحمة الله يوم السبت الماضي الموافق 12/2/1430هـ.
إنه لمن دواعي فخري أن أعاود الكتابة في زاويتي "هي في الميدان" مبتدئة بالكتابة عن الراحل معتوق شلبي، و هذه السطور المتواضعة ما هي إلا تعبير صادق عن التكريم لمواطن عمل لمدة غير قصيرة في القطاع الحكومي الإعلامي ثم تقاعد منه، لكن التقاعد بالنسبة له لم يكن مشكلة تبعده عن الاتصال والتواصل مع الآخرين من المثقفين أمثاله، لذلك تابع المسيرة الإعلامية الهادفة من خلال إنشاء منتدى الجمعة الذي يعقد أسبوعيا في منزله ويشارك فيه، حضورا وإلقاء، الكتاب والصحافيون والمتقاعدون والمتقاعدات، وربات البيوت والشباب والشابات من الأعمار كافة، المهتمون بالاستزادة من العلوم والمعارف في جو أسري يسوده الحوار الهادف والطرح المتميز للموضوعات العلمية والأدبية والاجتماعية.
لقد أنشأ معتوق شلبي منتدى الجمعة ليكون منارة إعلامية في مرحلة تقاعده، وجند له قواه الجسمية وإمكاناته الأسرية والمادية، فالمرض في السنوات الأخيرة أقعده عن المشي ولم يقعده يوماً عن عقد منتدى الجمعة وحضور جلساته بشكل متواصل. وقد روت لي إحدى كريماته أنه في الأسابيع الأخيرة من حياته وهو يرقد على فراش الموت في المستشفى طلب من أفراد أسرته الاستمرار في المنتدى بقوله: إن منتدى الجمعة للناس وليس لمعتوق شلبي.
هذه الشخصية الفاعلة في مرحلة التقاعد لديها أيضا نظرة إيجابية غير تقليدية نحو المرأة، فقد بدأت معرفتي بالراحل من خلال اتصاله الهاتفي بي معقبا وممتدحاً مقالة نشرت لي في هذه الزاوية، وعنوانها: "تعدد أدوار المرأة العاملة"، وانتهى ذلك الاتصال بطلبه مشاركتي في عرض الموضوع ذاته في منتدى الجمعة، فوافقت، وأثناء مشاركتي في المنتدى بإلقاء موضوع بعنوان "تعدد أدوار المرأة العاملة ومسؤولية الرجل" منذ عام تقريباً، تلمست من خلال مداخلات الشيخ معتوق ـ رحمه الله ـ أن له اتجاهات إيجابية نحو المرأة وتعليمها وعملها، فهو يرى ضرورة تعليم المرأة وإتاحة الفرص لها بالعمل لضمان مستقبلها وللمشاركة في تنمية مجتمعها، طالما كان ذلك في إطار ضوابط وخصائص المجتمع وعقيدته. هذه النظرة بالطبع تختلف كثيراً عمن هم في سنه أو حتى عن نظرة بعض الشباب في وقتنا الحاضر، وليس أدل على ذلك سوى أن كريماته الأربع جميعهن سيدات متعلمات ومتزوجات عاملات في القطاع الصحي كالطب والعلاج الطبيعي والأشعة.
وهناك شواهد أخرى في منتدى الجمعة تعكس احترام الراحل للكفاءات النسوية ومنها على سبيل المثال: إتاحة الفرصة لمشاركة المرأة في إلقاء الموضوعات وترك الحرية لها في اختيار الموعد الذي يناسبها، حتى إن ترتب على ذلك تغير الجدول الزمني للمحاضرات، أيضاً اهتمامه بتخصيص قاعة النساء وتوفير كل وسائل الراحة وحسن الاستقبال وكرم الضيافة للحاضرات على يد حرمه ـ أطال الله في عمرها ـ وكريماته وحفيداته.
كم أشعر بالحزن لأن ارتباطاتي الأسرية حالت دون حضوري منتدى الجمعة بشكل مستمر، للتواصل مع الفقيد والاستفادة من فكره غير المتقاعد، لكن ما يخفف حزني هو أنني سأستمر في التواصل بالدعاء له ولوالدينا ولجميع المسلمين بالرحمة وواسع المغفرة، وأن يلهم أهله والمقربين له الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي