إلى متى سيبقى الركود؟

كتبت في الأسابيع الماضية مقالات متتالية حول أزمة الكساد الراهنة، قلت فيها إن هذه الأزمة هي من الخطورة حيث يمكن أن تبقى لسنوات، وكان رأيي أن الدولار سيواصل ضعفه وسيفقد ثلث قيمته الحالية. وقد وقعت على مقالة للبروفيسور بول سامولسون، الذي فوجئت أنه ما زال على قيد الحياة، يؤكد فيها أن الأزمة يمكن أن تبقى لأربع أو ست سنوات مقبلة، وأن الدولار سيواصل ضعفه!!
والبروفيسور سامولسون – لمن لا يعرفه - هو أحد أشهر علماء الاقتصاد الأمريكان، وظل وما زال كتابه الموسوعي في مبادئ الاقتصاد يدرس في الجامعات الأمريكية والعالمية لعدة عقود، وهو أحد الحائزين جائزة نوبل في الاقتصاد، وعمل كبيرا للمستشارين الاقتصاديين للرئيس"جون كنيدي" عام 1960. ونظرا لنبوغه المبكر، عمل وهو شاب يافع مستشارا لبنك الاحتياطي الفيدرالي أثناء ذروة الكساد الكبير عام 1932! (ولو افترضنا أن عمره آنذاك كان فقط 23 عاما لأصبح عمره اليوم يناهز 100 عام). وهو من أبرز الاقتصاديين الأمريكيين الذين تبنوا فكر الاقتصادي الإنجليزي جون كينز الداعي لتدخل الحكومة في الاقتصاد وقت الأزمات. يقابلهم مدرسة عدم التدخل، وأبرز قوادها مليتون فريدمان الأستاذ في جامعة شيكاغو. وعلى مر التاريخ كان الديمقراطيون في أمريكا يميلون بشكل عام إلى مدرسة التدخل في الاقتصاد، في حين كان الجمهوريون يميلون إلى مدرسة عدم التدخل.
أكد سامولسون في مقالته الأخيرة أن ما يحدث اليوم يثبت إلى أي حد كان فريدمان وأنصار مدرسة الحرية المطلقة مخطئين في فكرتهم القائلة إن نظام السوق قادر على تصحيح نفسه بنفسه دونما حاجة إلى تدخل من قبل الدولة! كما أن وقائع اليوم تبين لنا إلى أي حد كان الرئيس رونالد ريجان سخيفاً عندما كان يردد مقولة "إن الحكومة هي المشكلة وليست الحل". فالكل أصبح يدرك الآن أنه لا يمكن أن يكون هناك حل دون تدخل الحكومة عبر السياسة المالية، التي يمكن أن تؤدي دوراً أساسياً في توجيه اقتصاد السوق.
ونصح سامولسون حكومة أوباما بتوجيه الإعفاءات الضريبية لصالح شرائح الدخل الدنيا، فهم الأكثر تضرراً من الأزمة، بدل توجيه الخفض الضريبي لصالح أكبر 500 شركة وفق تصنيف "فورشيون". ويؤكد سامولسون أن الأزمة الحالية دون أدنى شك هي أسوأ أزمة تواجهها الولايات المتحدة والعالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وهو يعتقد أن التعافي الاقتصادي والخروج من الأزمة الحالية سيستغرق وقتاً طويلا حتى لو لجأت الحكومة إلى سياسة الإنفاق بالعجز. ويضيف أن التنبؤات التي نسمعها أو نقرأ حولها هذه الأيام عن أننا يمكن أن نرى بعض ملامح التعافي الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2009 م، هي في نظره تنبؤات غير مقنعة إلى حد كبير. فالاقتصاد الأمريكي في رأيه لن يرى تعافياً اقتصادياً قبل عام 2012 م، بل إن هناك احتمالا لأن يتأخر ذلك حتى عام 2014 م!!
أما بالنسبة للدولار، فالبروفيسور سامولسون يخالف من يعتقد أنه سيظل قويا لأن أمريكا ستظل الملاذ الأخير للأمان المالي. ففي رأيه أن الدولار لن يبقى قويا، لأن الدول الصاعدة وخصوصاً الصين ستتعلم أنها في حاجة (إذا ما أرادت لنفسها نمواً اقتصادياً مستمراً) إلى تحويل اعتماد اقتصادها من التصدير لأمريكا إلي الاعتماد على الاستهلاك المحلي، وأنها ستحتاج حينئذ إلى كل فوائضها المالية من الدولارات للداخل بدلا من إيداعها في خزائن البنوك الأمريكية.
وأنا لا أستغرب صعوبة تصور بعض الناس بداية أفول أو تراجع أمريكا كدولة عظمى، فعامتهم يصعب عليهم عادة تصور وضع مخالف لما تعودوا عليه لعقود طويلة. لكن التحولات مقبلة ليس فقط في أمريكا بل وفي مناطق أخرى في العالم بما فيه منطقتنا. وإذا كان من الخطأ تجاهل قوة عظمى في العالم، فإنه من الغباء عدم الاستعداد لما ستفرزه التحولات التاريخية. التحذير خير من التخدير، فهل نحن مستعدون؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي