التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لزرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي (1 من 3)

لا يمكن أن تمر علينا أحداث ومجازر غزة الأخيرة مرور الكرام، فهي أحداث متكررة، وتذكرنا دائماً بقدرنا، إلا أنها تؤكد دائماً صدق كتاب الله ـ عز وجل ـ الذي لا تقرأ فيه سورة إلا وتجد فيها إشارة إلى قتلة الأنبياء وأعداء الإنسانية، فالحمد لله على نعمة الإسلام، والشكر له على كتابه المعجز. فلقد ترتب على زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم العربي عام 1917، تحويل المنطقة العربية من منطقة مستقرة آمنة إلى منطقة حرب War Zone. لنا أن نتخيل منطقة عربية دون هذا النبت الشيطاني .. هل كان الحال سيختلف كثيراً؟ نعم كان الحال سيختلف بنسبة 100 في المائة.
وهنا أستعين بتشبيه من علم الطب, ففي عمليات زرع الأعضاء البشرية ونقلها، ينبغي أن يتم التأكد تماماً من توافق حالة المنتقل إليه مع حالة المنتقل منه، وعن تراضٍ تام، بحيث يستطيع الجسم المنتقل إليه العضو تقبل ذلك العضو، وإلا سيلفظه ويبقى الجسم المنتقَل إليه مهدداً بالفناء. الحال نفسه في عالم السياسية، فمنذ زرع هذا الجسم الغريب في الجسد العربي عام 1917 بوعد بلفور، والجسد ينزف ويعاني، نظراً لأنه لم تراع مسألة التوافق والتطابق والتراضي، أو مدى استعداد الجسم العربي لتقبل العضو الفاسد! الأكثر من هذا، لم يكن الجسم المنتقل إليه مريضاً، بل كان سليماً معافى، وكل ما في الأمر أنها عملية تمت في مستشفيات بئر السلم، لاستخدام ذلك العضو الفاسد في إمراض ذلك الجسم السليم (ليطحن بعضنا بعضا)، ليبقى دائماً وأبدا في حالة مرض دائم، إنه الجسم العربي والإسلامي.
نعم، لقد ترتب على زرع هذا العضو الشاذ والفاسد عديد من المشكلات الجسام، ليس فقط بالنسبة إلى المنطقة، بل للعالم أجمع، ولتحقيق مصالح يعرفها القاصي والداني. كما كانت لزرع ذلك الكيان الصهيوني تكلفة عالية، ويمكننا إجمال تلك التكاليف والمشكلات على مستوى عالمنا العربي فيما يلي:
أولاً: الإنفاق العسكري وحالة الحرب الدائمة، وتحويل الموارد النادرة بعيدا عن استخداماتها الأصيلة (تكلفة الفرصة البديلة).
ثانياً: تدني الاهتمام بالقطاعات الأولى بالتنمية، في وقت ينشط فيه الآخرون في مناطق العالم الأخرى لتطوير قطاعاتهم التنموية المدنية.
ثالثاً: ترتب على تحويل المنطقة إلى منطقة حرب، جعلها في ذيل مناطق العالم في جذب الاستثمار المباشر والسياحة.. إلخ، رغم إمكاناتها الخيالية.
رابعا: ترتب على هذا الوضع غير الطبيعي، تأخير جهود الإصلاح السياسي والمؤسسي، حيث أخذت حالة الحرب ذريعة أو مبرراً لقيام أنظمة غير ديمقراطية، ولتبقى المنطقة العربية مثالاً للتخلف.
خامساً: ترتب على زرع هذا النبت الخبيث في الأرض العربية، تراجع وتدني المؤشرات الاجتماعية كالتعليم والتشغيل والأمية والمشاركة السياسية.. إلخ.
عرضنا في هذا المقال لأبز تكاليف زرع الكيان الصهيوني في الجسد العربي، الذي يمكن حسابه بالأرقام المباشرة، ألا وهي تكلفة الإنفاق العسكري وتحديداً الإنفاق على شراء السلاح لأغراض دفاعية، على أن نعرض في المقالين التاليين – إن شاء الله - باقي صور التكاليف المباشرة وغير المباشرة.
هناك فارق كبير بين الأمم التي تنعم بالسلام وتلك التي تعيش حالة حرب دائمة من منظور عملية التنمية.. فارق كبير بين أوروبا خلال الحربين العالميتين، وأوروبا ما بعد الحربين! فالسلام والاستقرار السياسي ثمار عظيمة. وعلى النقيض من ذلك، كان من الطبيعي أن تتحول منطقتنا العربية إلى منطقة حرب دائمة على مدى ثمانية عقود. وللتبسيط، دعونا نحملق في أرقام الإنفاق العربي على شراء السلاح التي يوضحها الجدول (1).
جدول (1): الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الفترة من 1988 وحتى 2007 (بالمليار دولار).

المصدر: معهد ستوكهولم لأبحاث السلام 2008.
فكما يوضح الجدول أن هناك نمواً متصاعداً في إنفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (التي تضم ذلك الكيان العفن وتركيا) على شراء السلاح. ففي خلال 20 عاماً فقط (1988 حتى 2007)، وبافتراض متوسط إنفاق عربي سنوي على شراء السلاح بنحو 40 مليار دولار (على أقل تقدير)، فإن إجمالي الإنفاق العربي على التسلح خلال الـ 20 عاماً هو نحو 800 مليار دولار!! رقم مخيف، أليس كذلك؟! كما أنه وبحسب الإحصاءات العالمية، يشكل إنفاق الدول العربية على مدى العقود الثلاثة الماضية أكثر من 8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العربي، في حين أن متوسط إنفاق الدول العربية على أنشطة البحث والتطوير باق دون 1 في المائة من الناتج المحلي! الأكثر من هذا أن الإنفاق العربي على شراء السلاح يشكل أكثر من 6 في المائة من إجمالي الإنفاق العالمي، كل هذا على الرغم من أن عدد مواطني العالم العربي يصل إلى نحو 300 مليون نسمة من إجمالي سكان العام البالغ 6.6 مليار نسمة! وعليه، لنا أن نتخيل أن تلك الـ 800 مليار دولار المنفقة على شراء السلاح، قد توجهت على مدى الـ 20 عاماً الماضية نحو القطاعات التنموية وقطاعات الإنتاج المدني! (وهذا ما نسميه في الاقتصاد بتكلفة الفرصة البديلة)، مؤكد أن الصورة كانت ستختلف كثيراً. الأنكى هو أن آلة ومصانع السلاح الغربي تتفنن في إنتاج أسلحة متطورة في كل عام بحيث ينبغي عليك كمستورد للسلاح شراء الأحدث لأن الأقدم بات غير مجد ويسهل تدميره.. وهكذا، وكأنك تحرث في البحر إلى ما لا نهاية، ويستمر الاستنزاف.. كل هذا ليس له من سبب أو مبرر سوى وجود هذا النبت النتن الذي ترتبت على زراعته نشأة بيئة إقليمية فاسدة تضطرك اضطراراً إلى مواكبة موجة التنافس على شراء أحدث الأسلحة.
لكن في إطار هذه الجزئية تحديداً نستشعر نظرية المؤامرة .. فإذا لم يشتر العرب السلاح المنتج غربياً.. لمن سيباع هذا السلاح؟ وهل ستوقف مصانع السلاح الغربية نشاطها؟ إذاً كان لا بد من ضمان وجود مشتر دائم لإنتاجهم، وهو ـ والحمد لله ـ متوافر في منطقة الحرب, وهي منطقتنا العربية.
وفي حقيقة الأمر، لم يكن للدول العربية من خيار آخر، بعد زرع هذا النبت الشيطاني سوى تعظيم قدراتها العسكرية والدفاعية، ولكن كان لهذا ثمن كبير، وهو التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أتى كل هذا الإنفاق على حساب القطاعات التنموية الأخرى. ولهذا لا نعجب أن نرى ترديا في مؤشرات كالتنمية البشرية والبطالة والتعليم والأمية والتدريب.. إلخ على النحو الذي سنعرض لها في المقال المقبل ـ بعون الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي