وجه المدن

كتب أمبرتو ايكو في روايته اسم الوردة: "الهندسة المعمارية من بين كلّ الفنون هي التي تحاول بكلّ جرأة أن تنقل في نسقها نسق الكون".
أجاد كثيراً وصف الهندسة المعمارية بذلك، فهي مزيج من كل العلوم التي عرفها البشر في حياتهم وعلى مرّ العصور.
هي فنّ قبل كل شيء وعلم يقوم على أسس وضعها الرياضيون والفيزيائيون من جهة أخرى، ثم صورة للمجتمع الذي يعمل عليها ويظهرها بشكل مبانٍ تحتضن سكانها.
في كلّ حضارة عرفها التاريخ تقوم مدن وتصبح محطّ أنظار البشرية و تكون مزاراً للعلم والترفيه.
يرحل سكانها عن الحياة وتبقى مبانيهم المميزة شاهدة على عظمة ما أنجزه مهندسوها، هنا تأتي في أذهاننا الأهرامات المصرية التي ظلت على مر حضارات تلتهم واقفة في وجه تقلبات الجوّ والبشر!
أما في روما فقد شيّد مدرجها الشهير في القرن الأول الميلادي وبقي إلى يومنا هذا ليذكرنا بالمسابقات الرومانية وصراع المقاتلين.
ومن نماذج المعمار الذي ترك أثره في حضارات عدّة المعمار الإسلامي الذي توزع بين الشرق والغرب وبقي بعد سقوط حكم المسلمين ليتم تبنّي خصائصه في البناء الحديث ما بين الزخارف والمنارات والقباب المختلفة.
في غرناطة اليوم يزور الآلاف من السيّاح والمهتمّين بالهندسة المعمارية قصر الحمراء الذي تحوّل من مركز لحكم المسلمين إلى متحف مفتوح.
في أمريكا اليوم تبنّت عدة مبانٍ أفكارا تنسب لقصر الحمراء، من أشهرها ساحة الأسود التي تتوسط مجمّع إيرفينغ في كاليفورنيا.
لكنّ ما الذي يجعل هذه الأبنية مميزة ويثبتّها في مخيلة المدن والأشخاص، هو حسّ المغامرة والابتكار الذي يوجده فنانو المعمار عندما يخططون للبناء ويتوافق مع ذلك تشجيع من ينفذون تلك الأفكار ويدعمونها بالمادة والجهد.
لكي نصنع لمدننا اليوم وجهاً جميلاً تحفظه الأجيال القادمة، نحن بحاجة إلى كسر المألوف وتقبّل ما نعتبره غريباً حتى تعتاده أبصارنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي