الاستثمار في مشاريع السياحة الدينية
عبدالرحمن بن محمد البريدي:
قبل بعثة ختام الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام كانت قريش تستبشر بقدوم العرب من كافة أنحاء المعمورة وذلك مما يحصلون عليه من مغانم تجاريه كبيره من قدوم الزوار لبيت الله الحرام وخلال قدومهم كانت قريش تعقد صفقات واتفاقيات تجاريه معهم وكان كُل من أبناء مكة والزوار يعتبرونها فرصه عظيمه للتبادل التجاري والثقافي بينهما وأصبحت مكة أكثر انفتاحا على كافة القادمين واستمر توافد زوار البيت العتيق بعد انتشار الإسلام في الجزيرة العربية حتى قيام الدولة. حكومتنا الرشيدة أمنت كافة الطرق إلى مكة والمدينة وأولت الحرمين كافة الاهتمام والرعاية واحتضنت ملايين الحجيج والمعتمرين والزوار كل موسم وبذلت صارا جُهدها لخدمة كافة الوافدين من الداخل والخارج منذ وصولهم بكافة الوسائل البرية أو البحرية أو الجوية ونقلهم للمسجد الحرام، لمنى، لجبل الرحمة بعرفات، ومزدلفة وجميع المشاعر لأداء فريضة الحج ومن ثم تأتي رحله أخرى للحاج وللمعتمر لمن يرغب زيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة وكافة المعالم والمناطق الأثرية فيها من مساجد قديمه وجبال عاش فيها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه رضوان الله عليهم.
قدمت الحكومة بلايين الريالات لتطوير البنية التحتية لعدد من الخدمات ولم تألو يوما من الأيام في تنفيذ العديد من المشاريع الجبارة والتي من ضمنها توسعة الحرمين المكي والنبوي، وإنشاء مخيمات ضد الحرائق، شبكات الطرق والأنفاق ...إلخ. وهناك العديد من المشروعات وتحت التنفيذ ومنها وقف الملك عبدالعزيز، تطوير وتوسعة المسعى، تطوير منطقة جسر الجمرات، مشروع الشامية والذي يهدف إلى تطوير منطقة شمال الحرم ومن ثم مشاريع المدينة والتي تهدف لتوسعة الحرم النبوي من الجهة الشرقية وقريباً مشروع القطارات بين كافة مناطق المشاعر والحرم ومن ثم بين جده ومكة والمدينة وتوسعة مطار الملك عبدالعزيز بجده و مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز بالمدينة وكل هذه المشاريع تهدف بها الحكومة لتهيئة كافة المناطق التي يزورها الحاج والمعتمر وتوفير كافة وسائل الراحة لهم.
ونجد كل عام قطاعات الحكومة تبذل قصارى جهدها من أجل إنجاح موسم الحج وخير دليل ما قدمته حكومتنا الرشيدة خلال الموسم الماضي.
ونجد كل عام إعداد الحجاج والزوار للحرمين في ازدياد دون دعوة موجهة لأحدهم أو دون ترويج لذلك بل جميعهم يحضرون لهذه البلاد تلبيه لدعوة سيدنا إبراهيم ونبينا محمد عليهما الصلاة والسلام بينما نجد عدد من البلدان تسوق لبرامجها السياحية لسنوات طويلة وقد تجد أعداد القادمين لهم أقل مما توقعوه ولكن القادمين لبلد الحرمين ينتظرون الأذن للدخول.. ورغبت أن أؤكد ذلك من خلال تصريح لرئيس الغرفة التجارية بالمدينة المنورة بأن نسبة انشغال الشقق 100% وذكر أن المدينة مازالت بحاجه إلى أعداد كبيره من الوحدات السكنية وذلك لتلبية احتياجات الزوار. وعلل أن زيادة أعداد الوحدات السكنية والزوار للمدينة يأتي من تحسين مشاريع البنية التحتية للمناطق المحيطة بالحرم...وكما هو معلوم أن معظم قوافل الحجيج تتحرك باتجاه المدينة بعد إتمام فريضة الحج مما يؤكد أن زيارة الأماكن المقدسة لم تعد تقتصر على مواسم دينيه معينه مثل فترة الحج أو رمضان بل أصبحت مفتوحة طوال السنة وأصبحت الوفود من الداخل والخارج تزور هذه المناطق وبأعداد كبيره ولم تعد تقتصر على منطقه معينه في هذه المدينتين بل أصبحت تشمل مناطق أخرى كالمناطق الأثرية في المدينة أو مكة.
وقد توقع الدكتور علي ناقور الخبير في اقتصاديات الحج والعمرة بأن يبلغ حجم النقد الداخل للسعودية خلال موسم الحج بنحو 18 ملياراً ريال من مختلف العملات وأن حجم متوسط صرف كل حاج يصل إلى 3 آلاف دولاراً وأن إيرادات الحج والعمرة تعتبر المصدر الثالث لاقتصاد السعودية وأضاف أن حجم الصرف ذو علاقة طرديه مع أعداد الحجاج إذ أن زيادة أعدادهم تزيد من كمية النقد الأجنبي الداخل.
كل ما سبق يدل دلاله واضحة أن موسم الحج يشكل مصدر دخل ضخم للحكومة مما يُلزم التوسع فيه لزيادة أعداد القادمين إلى الحرمين من خلال إعداد خطط مشتركه مبنية على الشراكة مع القطاع الخاص خاصة المطورين العقاريين والمستثمرين في مشاريع البنية التحتية مما يتيح تطوير المناطق التي يرتادها الحاج والمعتمر والزائر في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وأصبح هناك حاجه ماسه لتطوير الاستثمار في مشاريع السياحة الدينية وذلك من خلال التوسع في إنشاء مشاريع البنية التحتية بمناطق الحرمين الشريفين من طرق بديله وفصل حركة المشاة عن السيارات مما يسهل تنقل الحجيج والزوار ويحفظ أرواحهم، التوسع في وسائل النقل المختلفة، مشاريع الكهرباء، المياه، الاتصالات مما يزيد من أعداد مشاريع الفنادق، الشقق، المراكز التجارية والسياحية والثقافية التي تلبي احتياجات هذه المدينتين عند قدوم الزوار لهما وأن لا يقتصر ذلك على الدور التي تقوم به الحكومة بل لابد من أن يقوم القطاع الخاص بالمشاركة في توفير العديد من مشاريع البنية التحتية.
وفي لقاء بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 14/12/2008 م مع رئيس رابع أكبر مجموعة فنادق في العالم والرئيس التنفيذي لمجموعة أكور الفرنسية والذي ذكر أن دخول السوق السعودي يعتبر فرصه جيدة في سوق الفنادق. وأضاف أنهم سيتوسعون في العالم الإسلامي من خلال مكة والمدينة وقال نحن الآن في طريقنا إلى المدينة مع مشروع فندقي.. وهذا دليل أخر للمستثمر السعودي أو الأجنبي أن الاستثمار في الأماكن المقدسة يعتبر فرصة جيده.
ويمكن ذلك من خلال جذب عدد من المستثمرين خاصة بعد الأزمة المالية نجد عدد من الاستثمارات السعودية والتي غادرت سابقاً للبحث عن فرص استثماريه قد عادت وبدأت في مراجعة سلبيات الاستثمار الخارجي وتبحث عن فرص داخليه والتي من الممكن استقطابها بمشاريع ضخمه في تطوير مشاريع السياحة الدينية من خلال العديد من المشاريع العقارية، السياحية والبنية التحتية للمشاريع الخدمية بالمنطقة.
واستقطاب مثل هذه الأموال الضخمة سيكون لهُ مردود كبير على خلق فرص وظيفية للشباب والفتيات على حداً سواء وزيادة موارد الدخل للحكومة، وتطوير البيئة المحيطة بالحرمين، نقل تشغيل، تمويل وإدارة كافة المناطق السياحية في الحرمين لعدد من المستثمرين مما يخفف على الحكومة الأعباء المالية، الإدارية والتشغيلية لهذه المواقع.
ومن الأفكار التي يمكن أن تتبناها الحكومة لزيادة أعداد الوحدات السكنية هو إيقاف بنائها بالمناطق المحيطة بالحرم المكي مما يسمح بتفريغ كافة هذه المناطق وذلك لكي يسهم بالتوسع المستقبلي للحرم في كافة الاتجاهات وسيزيد من مساحة منطقة الطواف وبما أنهٌ سيتم مستقبلاً توفير قطارات من الحرم و إلى المشاعر والتي قد تستخدم فقط لمدة ثلاثة أيام خلال فترة الحج لذا يمكن نقل كافة المشاريع السكنية من فنادق، شقق،...إلخ لمناطق المشاعر مثل منى وذلك سيسهم في زيادة أعداد استيعاب الحرم وفي نفس الوقت يزيد أعداد الوحدات السكنية في منى والتي يمكن استخدامها فترة الحج.
يمكن للدولة إيكال تطوير الاستثمار بهذه المناطق لعدد من القطاعات والهيئات وذلك حسب الاختصاص ومن مهامهم تطوير أعمال البحث لهذه المشاريع وأعداد مخططات تصوريه للمناطق المحيطة بالحرمين ونوعية المشاريع الممكن نجاحها ومن الشريحة المستهدفة من المستثمرين لهذه المشاريع، كيفية جذبهم وطريقة التسويق .