العسكري والإداري والمثقف

يحدث لي أن أدخل دوائر حكومية فأشفق على الموظفين، وأحيانا أرى من جبروت بعضهم ما أحمد الله على النجاة من قبضتهم، ولكن لا مفر من مرور بعض الناس على بعض من هؤلاء. ولكن أن يجتمع الإنسان بعسكري وإداري يجمع بين النبل والثقافة، وحسن الخلق، وعظيم الأداء، وإغاثة الملهوف، وتفريج كروب المراجعين، والسيطرة على الأمور، مع البسمة على الوجه، والصوت الهادئ، والارتخاء بدون كسل، وأداء العمل بدون توتر وضجيج، فهي علامة على آلة إنسانية متقنة من الخلق والفهم.
وأنا شخصيا أجد المرور على صديقي العميد علي بن فهد السبهان (أبو طلال) مدير جوازات منطقه القصيم فرصة لتجديد الروح والخشوع بين يديه.
إنه ينتقل دون أن تشعر بين السياسة والفن، والإيمان والفكر، وعمق التأمل، وبعد النظر، وحسن الإصغاء، وسرد الوقائع، والتمكن من الإقناع، وحسن البيان، وروعة الأداء. إنها شخصيات متعددة مضغوطة في شخصية واحدة..
إن رجالا من هذا النوع ثروات معنوية في هذه الحياة الدنيا والآخرة، ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم. أو كما قال الرب: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" ..
"يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون"..
لقد شرح لي أبو طلال في زيارتي الأخيرة له فلسفته في الحياة، بدون خلل في توقيع معاملة، أو إجابة مراجع، أو تلبية خطاب ومكالمة، وبين هذا وذاك يتدفق الحديث عذبا شهيا محلقا إلى أعلى عليين.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كن عالما أو متعلما أو محبا للعلم ولا تكن الرابعة فتهلك".... أو كما قال... وجلسة العلم مع صديقي أبو طلال متعة في السير عبر حدائق ذات بهجة للناظرين..
قال في فلسفته للحياة, قد يغنى إنسان عن طريق كسب رزقه بالباطل ولكن على حساب قصف عمره، والعكس بالعكس، فقد يقتر في رزقه، ويظن أن ربه أهانه، ولكن ما يحدث بركة في الحياة فينسأ له في أجله ويبارك الرب في ذراريه..
فعلى المرء فهم زوايا الحياة لا كما يريد ولكن كما يريد الرب.. وعليه أن يشكر الرب مع شروق صباح كل يوم أنه منح فرصة جديدة لشكر الرب، ليبلوني أأشكر أم أكفر..
حقيقة إن أبا طلال ليس محاضرا جامعيا، ولا صوفيا فيلسوفا، أو عالم ألسنيات في البرمجة اللغوية العصبية، ولكن الفكرة بأمره تطيعه، والجملة  تركع له، والكلمة تستسلم له بحب..فتبوح بسرها المغلف من حروف تعتلي متن أمواج الفيزياء، ويقدمها شهية لمن أمامه وجبة شهية، بملعقة الكلام المتاح .
وتكلم عن التسامح فقال فيه سبع فوائد، وشرح يذكر واحدة بعد واحدة فطوبى لمن امتلأ قلبه بحب الناس، كما يذكر عن تولستوي الكاتب الروسي الذي امتلأ قلبه بحب الناس وخدمتهم.
وأفاض أبو طلال في علم نفس النجاح، وكأنه عالم نفس ناجح، فقال: لا أعظم من راحة البال، ولا أطيب من القناعة في الرزق، ولا أبهج من علاقات إنسانية دافئة، ولا أعظم من تحقيق أهداف نبيلة في الحياة بطاقة وفاعلية، وفي النهاية أن ينام الإنسان ملء جفنيه وهو يرى أنه يحقق ذاته طبقا عن طبق..
حييت يا أبا طلال أينما كنت وتوجهت وكتب الخير على يديك.. أنت ذخر للأمة وسعادة لعائلتك وفخر لعشيرتك وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون..
إنه لا أعظم من صداقة حقيقية، ولا أنبل من علاقة إنسانية، وليس من حب أعظم من رجلين اجتمعا على طاعة الله وافترقا عليه؛ فهما من سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله..
الله اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وظللنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واجمعنا بمن نحب فلا خوف ولا حزن بعدها.
وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله..
وما هم منها بمخرجين..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي