لفهم ظاهرة العنف والحرب عند بني آدم

من الصعب بمكان أن نقترب من فهم ظاهرة الحرب المحيرة التي فتكت بالبشر أكثر من كل الأمراض والطواعين والفيروسات مجتمعة. فقد اعتبرها (هيروقليطس) أنها أبو التاريخ، فهي التي ترفع أقواما وتضع آخرين، وهي التي تدفع قوما لسدة السيادة، وآخرين إلى وهدة العبودية.
وبمزيج من التركيب (البيولوجي ـ الاجتماعي ـ والثقافي) يمكن الاقتراب من فهم ظاهرة الحرب ولماذا تندلع، كما كنا شهودا في صيف 2006م والحرب في جنوب لبنان تحصد العباد والبلاد. أو كارثة غزة في شتاء 2009م ونحن نفتتح العام الميلادي والهجري 1430هـ ..
مع هذا فإن التطور التاريخي يدفع الجنس البشري حاليا إلى لجم غول الدولة، وهكذا برز نموذج الاتحاد الأوروبي كشكل واعد لمؤسسات سياسية لا تعتمد الحرب في دمج الناس في وحدة.
كما أن الثقافة والتكنولوجيا قربت من تأسيس السلام على نحو غير متوقع، استجابة لدعوة الأنبياء في ترسيخ السلام في المجتمع، وبين الدول، والسعادة في القلوب. ومفاهيم ومؤسسات السلام تكسب مواقع باستمرار مع ظهور فشل جيوش العنفيين في حل المشكلات.
وتوقف قرع طبول الحرب في لبنان نموذج لسخف الحرب وجنون الجنرالات الذين لا يحجزون خلف القضبان؛ بل يقودون الأمم إلى الهاوية والدموع. وهو ماسيحصل في غزة فتنسحب إسرائيل تجر أذيال الخيبة فليس مثل الحب والقناعة جاذبا، وليس مثل الإكراه والعنف طاردا..
كما أن العلم ساهم في تأسيس السلم على نحو مفاجئ لمن طوّر أسلحة الدمار الشامل، ولولا وصول البشر إلى الوقود النووي، في قمة من التسلح، تنذر بفناء الجنس البشري، وحرب عبثية لم تعد بالأرباح، لاستمر المجانين في لعبة القوة والإفلاس الأخلاقي.
ولولا قنبلة هيروشيما وحريق نجازاكي ما تردد البشر لحظة والجنرالات المعتوهين في متابعة شن الحروب وجعل البشر وقودا لها والحجارة.
وهكذا فمن ثلاث زوايا ولدت الحرب وبها ستنتهي: البيولوجيا وعلم الاجتماع وتطور الأسلحة علميا، ومن هذه الزوايا الميتة جاءت الحياة، وسبحان مخرج الحي من الميت فأنى تؤفكون؟
وهكذا ماتت مؤسسة الحرب غير مأسوف عليها، ولكن أكثر الناس لايعلمون.
في الغابة يعرف علماء الحيوان أن الغوريلات لا تتقاتل كثيرا، وهي الثقيلة المخيفة، ومن يتقاتل كثيرا هم القردة الصغيرة من الشمبانزي والبابون، كما هو الحال بين أوروبا وأمريكا، أو إريتريا والحبشة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي