مصادر العنف والحرب عند بني آدم
تبادل (فرويد) و(آينشتاين) مجموعة من الرسائل في ظل الحرب الكونية، بعنوان (أفكار لأزمنة الحروب) وهي تنفع لفترة الجنون التي نعيشها في صيف عام 2006م.
ويرى فرويد أن الإنسان تتنازعه غريزتان: الليبيدو والتانتوس وهي الحياة والموت، أو اللذة والجنس مقابل العدم والفناء.
وتوصل عالم الأعصاب (مك لين) إلى اكتشاف مثير في تركيب دماغ الإنسان، أشار إليه (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير)، أن الدماغ الإنساني في الواقع مكون من ثلاث أدمغة، مركبة فوق بعضها البعض، طبقاً عن طبق، ففي الأسفل دماغ الزواحف، وفي الأوسط دماغ الثدييات، وفي الأعلى الدماغ الجديد، واكتشف أن هذه الأدمغة الثلاثة تشكلت في وقت متتابع متعاقب عبر الرحلة التطورية للدماغ الإنساني، من سلالة من طين، وأن الدماغ الواعي لم يتكون إلا منذ نصف مليون سنة، مقابل الأدمغة الحيوية الحيوانية التي تحافظ على الوجود، والتي تشكلت منذ أكثر من 100 مليون سنة. وهذه الأدمغة الثلاث تتكلم بثلاث لغات مختلفة، دون ترجمان بينها، وقد يفسر التركيب البيولوجي جنون الإنسان في الحرب.
وفي كتاب (الذكاء العاطفي) لــ (دانييل جولمان) شرح لـ (دورة المخ العاطفية) مثل الدورة الدموية، ويروي قصة قتل العاملات، حين دخل شقي بيت امرأتين في الحي الراقي الشرقي من نيويورك، وفتك بمدرسة ومذيعة برامج بعد تقييدهما، بالخبط على الرأس بعقب زجاجة؟ ذلك عندما استولى عليه الرعب، أن يكتشف أمره، ولم يكن من مبرر للقتل، وما زال الرجل يتذكر فعلته، ويتعجب كيف حدث ما حدث، ولكن أمامه تمضية بقية حياته في السجن دون إطلاق مشروط.
وحسب عالم النفس السلوكي (سكينر) في كتابه (ما خلف الحرية والكرامة) إن الأفكار هي أرضية الحروب. وحسب (مالك بن نبي) المفكر الجزائري، فإن الأفكار تلعب دور (الوحدات) كما في الأمراض بين جرثوم وفيروس.
وفي علم الاجتماع يشير (علي الوردي) عالم الاجتماع العراقي في مجلده الأول من موسوعته حول التاريخ العراقي الحديث، إلى أن ولادة الدولة قبل ستة آلاف سنة، كانت ضرورة لولادة الحضارة، حتى يعيش الإنسان في (أمن)، حين فصلت الدولة في المنازعات بين الأفراد بالقوة إذا تطلب الأمر، فاحتكرت كل العنف، ولم يحصل ذلك بين الدول.
وهي المسألة التي بنى عليها (تولستوي) مذهبه، الذي أطلق عليه (الفوضوية) وهو ليس كذلك، بل مجتمع المحبة والأخوة بين الأنام، وتحرير الإنسان من كل صنوف العنف والقوة.
وفي يوم تلقى (تولستوي) رسالة عاصفة من مجهول وكان يترنح في سن الشيخوخة يقول فيها صاحبها" كلا يا ليون لست معك في أن العلاقات بين الناس يمكن أن تصفو بالمحبة وحدها. إن من يقولون بذلك ليسوا إلا رجالا مترفين طعامهم في متناول أيديهم، ولكن ماذا تقول في أولئك الذين ما عرفوا غير الجوع منذ نعومة أظفارهم، والذين يئنون طوال حياتهم تحت نير الطغاة؟
إنهم سيناضلون ويجهدون للخلاص من عبوديتهم. إني أقولها صريحة في وجهك وأنت على حافة قبرك ياليون نيكولافيتش: سيغرق العالم في أمواج من الدم، وسيتم مرة على مرة إعدام الأسياد وإبادتهم نساء ورجالا، بل سيتم إعدام أولادهم كذلك حتى تنجو الأرض إلى الأبد من شرورهم المخيفة.
وأنا آسف أنك لن تكون على قيد الحياة حينذاك حتى تكون شاهد عيان على ضلالاتك، أتمنى لك نهاية هادئة مريحة؟"
ويعلق (ستيفان زيفايج) في كتابه عن (ليون تولستوي) أنه منذ تلك اللحظة أدرك تولستوي أن مذهبه لايزيد عن سراب وحلقة دخان، وأن البشر يحكمهم قانون التدافع والعصبية كما قرر ذلك (ابن خلدون) في مقدمته حتى إشعار آخر.