الحق في السكن
استعرت للمقالة عنوان ندوة "الحق في السكن" التي أقامتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بمناسبة مرور ستين عاماً على إطلاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد عُرضت في الندوة أربع أوراق ناقشت: وضع الإسكان في المملكة، وحجم الاحتياج، والدور الحكومي في توفير الإسكان، وبعض الأساليب التنظيمية لضمان الحق في السكن. وكان من أهم ما خلصت إليه الندوة أن في المملكة ما يقارب ثمانمائة ألف أسرة لا تجد المسكن الملائم، وهو رقم يمثل نحو 20 في المائة من سكان المملكة. ولا غرابة في ذلك إذا قيست هذه النتيجة بالمؤشرات العالمية، وليس بالوضع الاقتصادي للمملكة، فتقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن هناك مائة مليون نسمة حول العالم لا يجدون أي مأوى أو سقف يحميهم من العوامل والمؤثرات الخارجية، كما أن مليار شخص يقيمون في مساكن غير ملائمة، وأكثر من ثلث سكان العالم يعيشون في مساكن يفتقدون ضمان استمرار الإقامة فيها، واحتمال تعرضهم للطرد الاعتباطي منها بالقوة، وإجبارهم على إخلائها.
وخلال النقاش والمداخلات التي صاحبت الندوة ظهر خلط واضح بين حق الحصول على المسكن وحق امتلاكه، مع أن هناك فرقاً كبيراً بين الحقين، فحق الحصول على المسكن لا يعني بالضرورة ضمان تمليكه لكل أسرة. وكذلك حدث خلط بين مفهوم أحقية الحصول على السكن مع ضرورة توفير المسكن من قبل الحكومة بوصفه منتجاً نهائياً لجميع الأسر، وهو ما يصعب تحقيقه، فقد أثبتت التجارب العالمية والمحلية عجز الحكومات عن توفير المساكن بوصفها منتجاً نهائياً لجميع السكان. ولو نظرنا في عدد الوحدات السكنية التي وفرتها الحكومة عن طريق وزارة الإشغال العامة والإسكان سابقاً، أو عن طريق الإدارات والمؤسسات الحكومية الأخرى لموظفيها، أو من قبل مؤسسات الإسكان الخيري والتنموي؛ فإننا سنجد أنها لا تزيد على بضع عشرات من آلاف المساكن، فمجموع الوحدات السكنية التي وفرتها وكالة الإسكان – على سبيل المثال – أقل من 25 ألف وحدة سكنية. بينما نجد أن صندوق التنمية العقارية ساهم في دعم توفير أضعاف عدد الوحدات السكنية التي وفرتها الحكومة أو مؤسسات الإسكان التنموية بوصفها منتجاً نهائياً.
ويعد أسلوب دعم المواطنين بتوفير القروض لهم عن طريق الصندوق من وسائل "التمكين" للحصول على المسكن، مثلها مثل برنامج منح الأراضي السكنية، أو العناية بإصدار التنظيمات والتشريعات المنظمة لعملية توفير التمويل الإسكاني الميسر من القطاع الخاص، أو توفير الاشتراطات والتنظيمات البلدية الهادفة إلى تشجيع تطوير مشاريع إسكانية ميسرة وجعل المساكن منخفضة التكلفة، وغيرها من الأدوات والأساليب التي تعمل على تمكين الأسر من الحصول على المسكن بيسر وسهولة. فأحقية السكن تعني بكل بساطة أحقية "تمكين" المواطن من الحصول على المسكن من خلال مجموعة متنوعة من أدوات التمكين، وأساليب الدعم، والوسائل والإجراءات المنظمة، والتسهيلات التي تمكن جميع الأسر من الحصول على المسكن الذي يفي باحتياجاتها الأساسية، وضمن إمكاناتها المالية، وبما يوافق ظروفها المعيشية الاقتصادية منها والاجتماعية، وفي مناطق تواجدها، ولا تعني الأحقية في السكن ضرورة توفير المساكن لجميع الأسر بوصفه منتجاً نهائياً. وسيتم في مقال آخر – إن شاء الله - عرض ومناقشة مفهوم الحق في السكن من واقع وثائق هيئة الأمم المتحدة.