الدجل الطبي (1ـ2)
أرسل لي الدكتور الجمل مقالة ليس لها أي سيقان وأقدام علمية، ينقل فيها زعم أن طبيبا عربيا كذا؟ وصل إلى الترياق الأعظم لكل أنواع السرطانات.
وأن الرجل تبنته أمريكا أولا ولكن بشرط توريد حقنته بعشرين ألف جنيه كل مرة بما هو أغلى من الانترفيرون، وكل علاجات الأمراض المعندة إلا أن الرجل كان تقيا جدا كذا؟ فقال لا فقط 300 جنيه أي نحو 200 ريال ولأن الرجل حريص على العباد وجيوبهم فقد رجع إلى مصر أم الدنيا وفضل أن يعيش بين الأسمال والفوضى بدل أمريكا لأنه لا يريد أن يستفيد من علاجه السحري المال الكثير..
وبالطبع فقد وضع لي الدكتور عيسى رقم تليفونه للاتصال به وأن رئيس وزراء اليونان تبناه شخصيا للفتح العظيم في علاج أمراض تنفق عليها مليارات اليورو والدولار وتعمل عليها عشرات الآلاف من المختبرات حول العالم..
إلا أن هذا الطبيب من عين شمس في القاهرة وبجنب الأهرام وباستحضار روح خوفو ومنقرع وسنوفرو وامنحوتب وصل إلى الفتح العظيم..
والدجل قائم منذ أيام كهنة فرعون الذين ألقوا عصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون
وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم..
والعجيب ليس الخبر ولكن نقله على أيدي الأطباء ؟؟
قال الدكتور الجمل تحت عنوان: إن لم تحتجه أنت قد يحتاجه غيرك، ولولا أنني أعرف الطبيب المذكور لقلت إنه من زمرة الدجالين، وهذا يعني سهولة اغتيال العقل الإنساني ولو كان طبيبا درس العلم وتخرج في الطب، ولكن يمكن أن يقع بسهولة في شراك الخرافة والدجل.
والسبب ثقافي أكثر منه علمي، فقد يدرس الطبيب الغاني والفرنسي نفس المعلومات، ولكن الأول يرقص بالحربة، والثاني يحكم المنهج العلمي في حياته، وكليهما طبيب..
قال الدكتور الجمل إن الطبيب المذكور بعد أن رجع من أمريكا تبناه أمير خليجي من أجل نشر هذا العلاج السحري، وسوف يأخذ اسم جرعة الحكمة، وكان الله في عون الأمير من الدجالين إن صدق الخبر، وقد يكون كل الخبر كاذبا للترويج حتى يقع في حباله رجل صالح ثري فيأكلوه لحما ويرمونه عظما تحت دعوى العلاج السحري..
وخلاصة الموضوع فإن الدجل قائم في العلم والطب بل لقد اجتمعت يوما برجل مختص بالدجل العلمي ومهمته مراقبة المنشورات العلمية والكشف عنها
والكذب وارد في كل حقل معرفي؛ ففي الفن أظهر فلم Incognito كيف تم تزوير لوحة (رامبرانت) فبيعت في المزاد العلني بثلاثين مليون جنيه للمترفين البلهاء.
وعرفنا في الفيزياء أن (جان هيندريك شون) زور عمله في الفيزياء فاقة الدقة Nanophysics، وتقدم ـ وهو لم يتجاوز 31 سنة ـ بأكثر من مائة ورقة عمل، نشرت منها 17 بحثا في مجلات علمية محكمة مثل (الطبيعة) و(العلوم)، وتبين لاحقا أنها كانت كذبا في كذب، تم فيها الفبركة والتزوير والتلاعب بالنتائج.
وكذلك ما شاع عن ويليام سامرلين William Summerlin أنه سيطر على ظاهرة رفض الجسم للأشياء الغريبة، في زرع جلد من فأر إلى فأر، وكانت تجربته في نقل جلد فأر أسود إلى ظهر فأر أبيض، ثم ظهر أن الرجل بلغت به الوقاحة والاستهتار بعقول الناس أن عمد إلى قلم فحم وقار؛ فطلى بها ظهر الفأر الأبيض الذي لا يملك الرفض.
وقصة جماعة الرائيين من كندا عن الاستنساخ الجسدي لأول إنسان لم تنطل خدعتها على العالم، فدحضت بسرعة.
و(وو سوك) الكوري الجنوبي كان يبتز مساعدته فأخذ من مبايضها 1600 بيضة لتجارب لم تسمن ولم تغن من جوع في زعمه عن الوصول لاستنساخ الخلايا الجذعية حتى عرف بأنه سيد المخادعين، والباحثون والأطباء يحكمهم ما يحكم البشر من نوازع فهم ليسوا ملائكة..
وهنا فإن دور المغفلين المخدوعين هو أكبر من دور المحتالين الخادعين.