هل من يتحدث الصينقليزية؟

الإنجليزية كما نعرفها تتحرك ببطء، ولكن باستمرار لتصبح إنجليزيات، ومن هذه الإنجليزيات المرشحة للصعود بقوة هي الصينقليزية، أي الهجين الصيني – الإنجليزي والذي يثير كثير من الفضول والاهتمام.
العام الماضي أقيم في هونج كونج معرض استضافه متحف المدينة للفنون، وهو معرض يرصد أن لغة جديدة بدأت تظهر بسرعة تدمج بين الإنجليزية والصينية يتحدث بها اليوم أكثر من 300 مليون نسمة، هؤلاء هم صينيون يرون أن من حقهم أن يرفعوا المفعول به، أو يلغوا حروف التعريف المعقدة، أو يصيغوا السؤال دون استخدام التركيبات الإنجليزية الشائعة، بل ويستبدلوها بأساليب صوتية شائعة في اللغات الصينية.
مايكل أيرارد رصد هذه الظاهرة أخيراً وخرج برقم مدهش!، في العام 2020 أي بعد 12 عاما فقط سيصبح الناطقين باللغة الإنجليزية ثلث سكان العالم أو بليوني نسمة، مما يعني أن الناطقين بها كلغة أم لن يتجاوز 15 في المائة من مجموع المتحدثين أما الباقون فإنهم سيتعلمونها كلغة ثانية!! ماذا يعني هذا؟!.
يعني صعود إنجليزيات متعددة، فالصينقليزية ستصبح أهم اللغات الجديدة الناشئة، وهذه اللغة لها بدايات واضحة في البلدان الآسيوية التي تبنت الإنجليزية كلغة رسمية مثل سنغافورة وتايوان حين نشأت لهجات إنجليزية محلية عبر العقود الخمسة الأخيرة، وأخذت هذه اللغة الهجينة في الابتعاد عن الإنجليزية بصورتها الأصلية، كما كان يروج لها أهلها، مما يدفع الخبراء إلى الاعتقاد بأن هذه اللغة ستشكل في الصين، حيث يفتقد الصينيون المدرسين الغربيين، مما سيفرز ملايين المدرسين المحليين الذين سيجنحوا أكثر وأكثر لاستخدام النموذج الهجين، وهو نموذج قد يصبح صينيا أكثر مما هو إنجليزي، خصوصا إذا عرفنا أن الصينين حالياً (قبل أن تنتشر هذه الظاهرة بشكل هائل) ينطقون اللغة الإنجليزية بشكل مختلف ولديهم مشكلة خاصة مع الحروف الإنجليزية الآتية: f, I, v, t, d.
السؤال: هل تصبح الإنجليزية بعد 100 أو 200 عام كاللاتينية التي ماتت على حساب اللهجات المشتقة منها اليوم كالفرنسية والإيطالية والبرتغالية؟.
وهل ستبرز الإنجليزية الهندية وأختها المصرية وابنة عمها الروسية كلهجات في البداية ثم لغات مستقلة؟
تبقى اللغة أحد أهم عوامل القوة الناعمة التي يتمتع الغرب بها اليوم كقوة منتصرة ومهيمنة لاسيما في عالم الفكر والثقافة، لكن هل تتحول هذه القوة الناعمة إلى تراث تاريخي لاسيما مع صعود القوى الآسيوية الأخرى؟
اللغة هي أهم ما يميز الكائن البشري، وهي ثروة حقيقة ورأسمال معرفي أثبت التاريخ ثقله ومركزيته في التدافع البشري، وعدم وضع هذا التصور في السياق التاريخي والإنساني يفقدنا القدرة على تحليل الظواهر وفهم الأشياء.
قبل أسابيع كنت أتحدث مع ابني أبان الذي يشكل نموذجا للجيل الجديد من المدونين الشباب، الذي يطرح وبحماس وجدية تجربته الخاصة مع مجموعة من زملائه في مدونة "كورنيش الرياض" التي تتميز بالتنوع والطرح الساخر.
ما لفت انتباهي هو الكتابة بالعامية المطعمة بالفصحى، وكنت أرى اللغة العربية قادرة على طرح المواضيع نفسها بالتنوع نفسه والخصوصية والحس الساخر.
إن جيل المدونين في المنطقة بانحيازه للعامي والمحكي يسهم في إيجاد لغة جديدة أسهل، ولكن أضعف، أكثر انتشاراً وإن كانت أقل رقيا، متفوقة في ديناميكيتها لكنها تفتقد الذوق والبلاغة. المعادلة الصعبة هي: كيف يمكن للغة العربية الصافية أن تلبي رغبة هذا الجيل في المحتوى دون أن تشكل عائقا أمام تطور هذه اللغة المتجددة المدهشة، بل تمدها بالحياة والتنوع المطلوبين.
قبل أشهر أشار أمام الحرم المكي الشيخ صالح بن حميد إلى حقيقة ربما كانت غائبة عن الكثيرين منا حين قال إن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي استمرت بينما ماتت كل اللغات التي ولدت في جيلها. وأشار إلى أن هذا يعود لأنها لغة ولدت مكتملة، وحفظها القرآن الكريم بإعجازه من الموت المحتم، موت واجه لغات منافسة للعربية في ذلك الزمان، وهذا إعجاز تاريخي آخر! هذه الظاهرة لاحظها مايكل أيرارد حين أشار إلى تحول اللاتينية سابقا والإنجليزية لاحقا إلى مسار تفقد اللغة الأصلية مع الزمن مقارنة بالعربية الذي أشار إلى أنها النموذج المغاير، حيث لاحظ أن اللهجات المحلية ترتبط بالعربية المكتوبة والمنطوقة، التي حفظها القرآن الكريم لقرون، وجاءت وسائل الإعلام العربية (كقناة الجزيرة حسب رأيه) لتعيد بثها شعبيا في عالم كله أصبح متناثراً وبعيداً! إنه القرآن الكريم الذي حفظ لهذه اللغة حيويتها وكيانها، وإنها فرصة لكي يسهم هذا الجيل الصاعد في تطويع وسائل الاتصال الجماهيرية لخدمة اللغة العربية نطقاً وتحدثاً وكتابة، لها، وبها.
إذا كانت العربية المكتوبة والمحكية قد حفظت لنا عبر قرون فإن التحدي أن تبقى حية، متجددة، متألقة وعصرية بدل أن تتبدل القواميس المغربية والمصرية والجيبوتية بعد قرن من الزمان.. أذهبت رياح العامية المتغيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي