العملة الخليجية الموحدة.. واختراق خط السيادة

ينص أول هدف من أهداف مجلس التعاون على "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها". بهذا تصبح الوحدة مقصدا أساسيا للمجلس؛ وهو المقصد نفسه الذي سيكون الجزء الحاسم منه محقق عن طريق إيجاد عملة خليجية موحدة Single Currency.
على الرغم من بعض العقبات في الجوانب المتعلقة بالاتحاد الجمركي؛ إلا أن مجلس التعاون الخليجي قد قطع شوطاً بارزاً في عملية التكامل الاقتصادي بين أعضائه؛ وذلك ابتداء من الاتفاقية الاقتصادية وانتهاء بالسوق المشتركة التي أعلن عن قيامها في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. بهذا فإن الطريق يبدو ممهداً إلى الخطوة الأهم في عملية الاندماج الاقتصادي الفعلي نحو عملة خليجية موحدة.
ما يجدر ملاحظته هنا هو أن خطوات التكامل السابقة كانت لا تتطلب أي أمر ذي شأن بالنسبة لسيادة الدول. بل لقد كانت تلك المراحل خصوصاً؛ منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة لا تتطلب ما يترتب على العملة الموحدة نفسها.
فعلى خلاف ذلك، فإن تحقيق العملة الموحدة يتطلب إيجاد كيان اتحادي جديد يعد بحد ذاته سلطة عليا Supranational. قد يسمى هذا الكيان في النهاية في البنك المركزي الخليجي أو مؤسسة النقد الخليجي أو غيره من المسميات ولكنه يعني فيما يعنيه أنه سلطة عليا (فوق الدول الأعضاء) يقر ما يشاء من قرارات تخص تلك العملة، وتكون قراراته نافذة على الدول الأعضاء في ذلك الشأن.
تعرف هذه الحالة عند دارسي العلوم السياسية بمرحلة "اختراق خط السيادة" وهي أهم المراحل المؤدية إلى وحدة أعم وأشمل؛ وأنه لا بد من تفعيلها إذا ما أردنا التوحيد بين الدول الأعضاء. إلا أنه تبقى لهذه المرحلة خصوصياتها، فقد رأينا في الاتحاد الأوروبي نوعاً من التردد في الدخول لعملة اليورو في بداية الأمر من أغلب الدول الأعضاء. بل إنه إلى تاريخ اليوم بقيت بعض الدول الأوروبية خارج اليورو؛ وما بريطانيا والجنيه الاسترليني إلا مثال بارز على ذلك. ومن المأمول ألا تعاد تجربة التردد الأوروبية بين دول مجلس التعاون، على الرغم من أن لا أحد ينكر بداية بوادر ذلك التردد حول تاريخ إطلاق العملة (الانسحاب العماني، والتوجه الكويتي، والتصريح الإماراتي).
من المقرر أن يستعرض القادة في قمة مسقط مشروع اتفاقية الاتحاد النقدي ومجلس النقد المقترح وذلك تمهيداً لإنشاء البنك الخليجي المركزي الذي سيشكل أو يمثل تلك السلطة التي تحدثنا عنها والتي بموجبها ستنطلق العملة الخليجية الموحدة. ومن المؤمل أن يتم الاتفاق حول شأن الاتفاقية والمجلس، حتى ولو بقي التوقيت الزمني للوصول إلى العملة محل دراسة. فالمهم هو الاتفاق على الآلية بغض النظر عن تحديد المدة الزمنية لإصدار العملة؛ حيث كان (ولا يزال) تحديد كانون الثاني (يناير) من عام 2010 كحد نهائي لإصدارها محل تساؤل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي