رسالة الحقوق في الحياة .. هل نستذكرها لكي نعمل بها؟!
يحسن بنا وقد ضاعت الحقوق، أو كادت، وغلبت النقمة على الحكمة، وطغى الشر على الخير، والجحود على الوفاء، والعقوق على البر، والقطيعة على صلة الأرحام، والكُره على الحب، والشحناء على الألفة، وانقلبت الحياة إلى رهان وتسابق على الماديات ...، يحسن بنا أن نستذكر بعضا من رسائل الحقوق في الحياة، لنعلم أن الحياة، لكي يكون لها معنى، فإن كل إنسان ينبغي أن تكون له رسالة يؤديها لكي يشعر من خلالها بقيمة الحياة، وتورثه الراحة بعد الممات.
فحق الله عليك: أن تعبده ولا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة.
وحق اللسان: إكرامه عن الخنى، والبر بالناس، وحسن القول فيهم، وترك الفضول التي لا فائدة لها.
وحق السمع: تنزيهه عن سماع الغيبة، وما لا يحل سماعه.
وحق البصر: أن تغضه عما لا يحل لك، وتعتبر بالنظر به.
وحق يدك: ألا تبسطها إلى ما لا يحل لك.
حق رجلك: ألا تمشي بها إلى ما لا يحل لك، فبها تقف على الصراط، فانظر ألا تزل بك، فتردى في النار.
وحق الصدقة: أن تعلم أنها ذخرك عند ربك، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد عليها.
وحق المعلم: التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه، وألا ترفع صوتك عليه.
وحق الزوجة: أن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب، فإن لها عليك أن ترحمها وتطعمها وتسقيها وتكسوها، وإذا جَهِلَت عفوت عنها.
وحق أمك: أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا، وَوَقَتْك بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتتعرى وتكسوك، وتضحي وتظلك، وتهجر النوم لأجلك.
وحق أبيك: أن تعلم أنه أصلك، ولولاه لم تكن، وأنه أهل النعمة عليك.
وحق ولدك: أن تعلم أنه منك، ومضاف إليك، وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب.
وحق أخيك: أن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحا على معصية الله، ولا عدة لظلم خلق الله، ولا تدع النصيحة له.
وحق جارك: أن تحفظه غائبا، وتكرمه شاهدا، وتنصره إذا كان مظلوما، ولا تتبع له عورة، وإن علمت عليه سوءا سترته، وإن احتاج لنصيحتك نصحته.
وحق مالك: ألا تأخذه إلا من حلّه، ولا تنفقه إلا في وجهه، واعمل فيه بطاعة ربك، ولا تبخل فيه فتبوء بالحسرة على حرمانك من ثوابه.
وحق الكبير: توقيره لشيبه، وتقدمه في الإسلام قبلك، ولا تستجهله وإن جهل عليك.
وحق الصغير: رحمته، وتعليمه، والرفق به، والعفو عنه.
وحق أهل ملتك: إظهار السلامة لهم، والرحمة بهم، وكف الأذى عنهم.
وحق أهل الذمة: أن تقبل منهم ما قبل الله منهم، ولا تظلمهم ما وفوا الله بعهده.
كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن القضاء فريضة مُحكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك الخصم، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسِ بين الناس في مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك، البّينة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرّم حلالا، ولا يمنعك قضاء قضيت فيه بالأمس ثم راجعت فيه نفسك، وهُديت فيه لرشدك، أن ترجع عنه، فإن الحق قديم، والرجوع إليه خير من التمادي في الباطل، والفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك، مما لم يبلغك به كتاب الله، ولا سنة نبيه، وقس الأمور، ثم اعمد إلى أحبها عند الله ورسوله، واجعل للمدّعي أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا وجّهت عليه القضاء، والمسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا محدودا في حد، أو مجرّبا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة أو نسب، فإن الله تولى منكم السرائر، وإياك والتأذي بالناس، والتنكر للخصوم في مواطن الحقوق، فإن من تخلص نيته فيما بينه وبين الله، ولو على نفسه، يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله خلافه منه، هتك الله ستره!
أما بعد: أقم الحدود، واجلس للمظالم، وأخِف الفسّاق، واجعلهم يدا يدا، ورجلا رجلا، وعُد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وباشر أمورهم، وافتح بابك لهم، فإنما أنت رجل منهم، غير أن الله جعلك أثقلهم حملا، واعلم أن العامل إذا زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من يشقى به الناس! .., والسلام.
وكتب ـ رضي الله عنه ـ إلى معاوية يوصيه قائلا، أما بعد: فقد كتبنا إليك في القضاء بكتاب لم آلك ونفسي فيه خيرا، الزم خمس خصال يسلم لك دينك، وتأخذ بأفضل حظك، إذا تقدم إليك الخصمان فعليك بالبينة العادلة، أو اليمين القاطعة، وادن الضعيف حتى يشتد قلبه، وينبسط لسانه، وتعهد الغريب، فإنك إذا لم تتعهده ترك حقه ورجع إلى أهله، وإنما ضيع حقه من لم يرفق به، وآسِ بين الخصوم في لحظك ولفظك، وعليك بالصلح بين الناس ما لم يستبن لك فصل القضاء.
والله من وراء القصد.