بيئتنا....من يحميها؟

في كتابه الرائع حول سقوط واندثار الحضارات، ربط جيريد ديموند بين حفاظ الأمم على بيئتها واستمرارها، وضرب لذلك عددا من الأمثلة لحضارات ما قبل وبعد التاريخ، على اعتبار أن تأثير الاستغلال غير المنضبط لمواردها وتلوث بيئتها أحد الأسباب الرئيسية لعدم قدرتها على الاستمرار.
في المملكة نعيش حالياً طفرة صناعية غير مسبوقة، تتمثل في عديد من المشاريع الصناعية الإنتاجية للمشتقات النفطية، والبتروكيماوية، والتعدينية، والأسمنتية، وهذه المشاريع بلا شك على علاقة مباشرة ببيئتنا البرية والبحرية بالنظر إلى مواقع إنشائها على السواحل البحرية، أو وسط المدن، أو مواردها الأولية، ولا شك أن القائمين على هذه المشاريع سواء من المستثمرين الأجانب أو المحليين ينظرون نظرة تجارية بحتة لتعظيم الأرباح، وهذا حق مشروع، إلا إذا كان ذلك على حساب بيئتنا الفريدة من نوعها، أو على حساب مقدرات أبنائها في المستقبل.
فنحن على سبيل المثال نمتلك في السواحل الغربية، خصوصاً في منطقة جازان، إحدى أجمل مناطق الغوص والشعب المرجانية التي يشد إليها الرحال للاستمتاع بمناظرها. كما أن منطقة جدة تحظى ببيئة مشابهة، إلا أن التقارير العلمية الصادرة عن المتخصصين في جامعة الملك عبد العزيز وغيرها من مراكز الأبحاث، كانت وما زالت تحذر من تأثر هذه البيئة بشكل كبير، سواء من البناء المباشر على البحر ودثر هذه المخلوقات البحرية، أو ببناء المصانع الكيميائية التي أثّرت مخلفاتها على هذه الكائنات، وما الساحل الشرقي عن ذلك ببعيد. كما أن مشاريع التعدين المزمع إقامتها في المناطق الشمالية قد تؤثر في البيئة الصحراوية فيها.
إن ترك مراقبة تأثر البيئة بهذه المستحدثات لهذه الشركات فيه مخاطرة كبيرة، ويظل محل تساؤل، ويضعف الإجراءات الرقابية التي تضمن لنا الحفاظ على الثروة، وحق أبناء المملكة وبيئتها البرية والبحرية في التمتع ببيئة خالية من الملوثات والمسرطنات.
وعلى النطاق الرقابي الحكومي وبحسب علمي، هناك منظمتان حكوميتان رسميتان تناط بهما هذه المهمات، هما: الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، وهما بلا شك يبذلان جهوداً كبيرة، وإن كانت التغطية الإعلامية لأنشطتهما تظل دون المستوى المطلوب بالنظر إلى حجم المهام الذي يقومان به، إلا أن نشاطاتهما تظل ناقصة دون وجود منظمات غير رسمية تساندهما في أداء هذه المهام الجسام، بحيث تضم المتخصصين في النواحي العلمية، ويكون لهم الحق في التفتيش على هذه الشركات للتأكد من مراعاتهم للاشتراطات البيئية الملائمة التي تضمن الحد الأدنى -على الأقل- من الحماية البيئية، ويكون حقها القانوني في ذلك مستقى من هاتين المنظمتين.
وأسوق في نهاية مقالي هذا اقتراحا موجها إلى الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة تجنباً للإحراج الذي قد تواجهه مع هذه الشركات، وكذلك النقص الذي قد تواجهه الرئاسة في الخبرات العالمية فيما يتعلق بالتأثيرات البيئية لهذه المشاريع، وهو إجراء تقوم به معظم الدول، وذلك بتكليف جهات خارجية متخصصة لإجراء هذا التقييم المستقل، مثل الصندوق الدولي للحياة الفطرية، والمنظمات المتخصصة في المراقبة الإشعاعية، لتقوم الرئاسة بدورها بنشر تقاريرهم إرساءً لمبدأ الشفافية، والذي هو مصدر كل خير ونماء... ودمتم بخير

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي