أضخم ميزانية في تاريخ السعودية رغم الصعوبات
رغم الظروف المالية والاقتصادية الصعبة، التي يمر بها الاقتصاد العالمي منذ منتصف العام الجاري، المتمثلة في الأزمة المالية العالمية، والانخفـاض الحـاد الـذي طـرأ علــى أسعـار النفـط العالمية خلال الفترة الأخيرة من العام المالي الحالي 1428/1429 (2008)، كشفت الميزانيــة المـاليــة للعام المالي الجديـد 1430/1431 (2009)، عن أضخم الأرقام في تاريخ الميزانيات السعودية، لتـؤكد استمرار وتيرة المسيرة التنموية، التي تعيشها البلاد، من خلال تضمينها العديد من المشاريع التنموية الجديدة العملاقة، وتوفيرها فرص عمل جديدة للمواطنين والمواطنات، واستثمارها للموارد المالية، بالشكل الذي يحقق متطلبات التنمية الشاملة المستدامة، مع إعطاء الأولوية للخدمات، التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر مثال الخدمات الصحية، التعليمية، الاجتماعية، البلدية، المياه والصرف الصحي، الطرق، والتعاملات الإلكترونية وإلى غير ذلك.
ما يؤكد استمرار الميزانية الجديدة في تغذية احتياجات ومتطلبات التنمية الشاملة المستدامة خلال العام المالي المقبل، تضمينها اعتمادات مالية كبيرة جداً، تزيد قيمتها على 225 ألف مليون ريال بنسبة تجاوزت 36 في المائة مقارنة بما قد تم اعتماده خلال العام الجاري، وذلك للإنفاق على برامج ومشاريع تنموية جديدة وإضافية لبعض المشاريع التي قد تم اعتمادها في وقت سابق، وذلك رغم العجز المالي الذي أظهرته بين جانبي الإيرادات والمصروفات، والذي قدر بمبلغ 65 مليار ريال، نتيجة للانخفاض الحاد، وكما أسلفت في أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة من العام المالي الحالي.
قطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة، حظي كذلك بنصيب وافر من إيرادات الميزانية، حيث تم تخصيص نحو مبلغ 122.100 مليون ريال، بغرض توفير البيئة التعليمية المناسبة، وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات والكليات المتخصصة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تضمنت الميزانية الجديدة، اعتماد إنشاء 1500 مدرسة جديدة للبنين والبنات في جميع مناطق المملكة، هذا إضافة إلى استكمال بناء نحو 3240 مدرسة قد تم اعتماد إنشائها في وقت سابق.
في مجال التعليم العالي تضمنت الميزانية إعتمادات مالية لاستكمال إنشاء المدينة الجامعية للطالبات والمدينة الطبية لجامعة الملك سعود، وكذلك إنشاء المدينة الجامعية للطلاب في جامعة الملك خالد بتكاليف تجاوزت قيمتها مبلغ 12 ألف مليون ريال، هذا إضافة إلى استكمال المدن الجامعية للجامعات القائمة، وتجهيز المعامل والمختبرات، وافتتاح وتشغيل 41 كلية جديدة.
بالنسبة للخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، فقد تم تخصيص نحو مبلغ 52.300 مليون ريال، لاستكمال مشاريع صحية جديدة واستكمال إنشاء وتجهيز مراكز للرعاية الصحية الأولية بجميع مناطق المملكة، ومشاريع لإحلال وتطوير البنية التحتية لـ 22 مستشفى.
في مجال الخدمات الاجتماعية تضمنت الميزانية، عددا من المشاريع الجديدة لإنشاء أندية ومدن رياضية ودور للرعاية والملاحظة الاجتماعية والتأهيل.
بقية القطاعات الخدمية والأنشطة الاقتصادية، قد حظيت كذلك بنصيب وافر من إيرادات الميزانية، مثل قطاع الخدمات البلدية بنحو 18.900 مليون ريال، وقطاع النقل والمواصلات بنحو 19.200 مليون ريال، وقطاع المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية وبعض القطاعات الاقتصادية الأخرى بنحو 35.400 مليون ريال، بهدف إنشاء مشاريع جديدة واستكمال مشاريع قائمة، وتحسين البنية التحتية والفوقية.
بالنسبة لتطورات أداء الاقتصاد الوطني خلال العام الجاري (2008)، فمن المتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي هذا العام وفقاً لتقديرات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات نحو 1.753.500 مليون ريال بالأسعار الجارية، محققاً بذلك نمواً نسبته 22 في المائة، مقارنة بما نسبته 7.6 في المائة في العام السابق، وأما بالأسعار الثابتة فيتوقع أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً تبلغ نسبته 4.2 في المائة.
بالنسبة للدين العام، تشير التوقعات الأولية إلى أن صافي حجم الدين العام، سينخفض نهاية العام المالي الحالي 2008، إلى نحو 237 ألف مليون ريال، لتتقلص نسبته إلى نحو 13.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بما نسبته 18.7 في المائة في نهاية العام الماضي 2007.
خلاصة القول، إنه على الرغم من الظروف المالية والاقتصادية الصعبة، التي شهدتها معظم اقتصادات دول العالم خلال الفترة الأخيرة، بسبب الأزمة المالية العالمية، إلا أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1430/1431 (2009)، رغم ما أظهرته من عجز مالي متوقع بنحو 65 مليار ريال، استمرت في تركيز الإنفاق على المشاريع التنموية وعلى تطوير الخدمات الأساسية، التي لها مساس مباشر بحياة ورفاهية المواطن، بالشكل الذي يحقق متطلبات التنمية الشاملة المستدامة بجميع مناطق المملكة، لكن وعلى الرغم من ذلك في رأيي سيظل هناك تحد كبير يلوح بالأفق يرتبط بقدرة الميزانية على توليد إيرادات كافية للإنفاق على المشاريع التنموية والاستمرار في الصرف على تطوير وتحسين كفاءة أداء الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعزيز من طاقتها الاستيعابية، وذلك في حالة تعرض أسعار النفط العالمية للمزيد من التدهور والانخفاض ـ لا سمح الله ـ، ولا سيما أن الإيرادات النفطية لا تزال تشكل نسبة (90 في المائة) تقريباً من جملة الإيرادات، كما أن هناك تحديا آخر يلوح في الأفق، وهو قدرة الأجهزة الحكومية على تنفيذ المشاريع التنموية المعتمدة في الميزانية، وبالذات في ظل محدودية توفر الأراضي الحكومية المناسبة لإقامة تلك المشاريع عليها، هذا إضافة إلى قدرة المقاولين المحليين الاستيعابية على تنفيذ تلك المشاريع في الأوقات المحددة، بسبب ضخامة الحجم والعدد.
في رأيي أن الخروج من مأزق الانخفاض المحتمل في إيرادات الميزانية، نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية، يتطلب تركيز الجهود الحكومية بشكل أفضل مقارنة بالماضي، المرتبطة بتنويع القاعدة الاقتصادية، ولا سيما أن بعض القطاعات والأنشطة الاقتصادية لا تزال مساهمتها متواضعة للغاية في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بمساهمة القطاع النفطي، مثل القطاع الصناعي، وقطاع النقل العام وغيرهما.
بالنسبة للتعامل مع مشكلة التأخير المحتمل في تنفيذ المشاريع التنموية، بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية للمقاولين المحليين، فإن الأمر يتطلب فتح المجال بشكل أوسع أمام شركات المقاولات العالمية للدخول إلى السوق للمشاركة في عمليات بناء وتشييد المشاريع العملاقة أو ما يعرف بـالـ Mica Projects، والله من وراء القصد.