الشركات العائلية بين استغلال فرصة الأزمة وسندان الانغلاق
تمثل الشركات الخليجية والعائلية أساس اقتصاد بلدان الخليج وهي تسيطر على 90 في المائة من حركة النشاط التجاري في منطقة الخليج وبإجمالي أصول تصل إلى تريليون دولار، لكن الخطر الأكبر الذي يتهدد ويواجه الشركات العائلية (التي تسيطر على 85 في المائة من النشاط الاقتصادي) خصوصا الجيل الثالث الذي يتسم بالأداء الأسوأ إداريا ويفتت الثروة الضخمة التي جمعها الأجداد والآباء طول عشرات السنين، وخلافا للمؤسسات المالية التقليدية، فإن الشركات العائلية جميع أعضائها هم أقارب، لذلك فالمتطلبات التنظيمية الخاصة بهم تختلف وبشكل كبير عن تلك الخاصة بالشركات المساهمة العامة.
وإن كانت الشركات العائلية في الخليج ترى أن الإطار التشريعي السائد في المنطقة عموما لا يوفر لها الحماية اللازمة واستمرارية نمط أعمالها إن سمحت لمستثمرين من غير العائلة بشراء حصص فيها، والسوق حاليا لا تشجع الشركات العائلية على الطروحات الجديدة، والسوق عموما غير مهيأة لاستقبال اكتتابات جديدة، لكن هناك سبلا ووسائل أخرى عديدة يمكن أن تطرقها الشركات العائلية لضمان استمرارها، وتستغل فرصة الأزمة المالية العالمية المتمثلة في شراء شركات عائلية مطروحة للبيع بأسعار مغرية وزهيدة، ففي أمريكا بمفردها بلغت قيمة الاستحواذات على الشركات العائلية الأمريكية المدرجة أكثر من 90 مليار دولار في عام 2007، بينما وصلت قيمة الاستحواذات حتى أيلول (سبتمبر) 2008 إلى نحو 150 مليار دولار هذا عدى قيمة الاستحواذات في شركات غير عائلية، فوفرة السيولة المتوافرة في منطقة الخليج يمكنها أن تسهم في منافسة الصناديق السيادية العالمية في عملية الاستحواذ في ظل أزمة مالية عالمية والبيع بأسعار مغرية لمجرد الحصول على سيولة لتدويرها في فرص أخرى أو لتسديد ديون رديئة أو لا تستطيع الاستمرار بسبب إعلان إفلاسها.
وهذا الاستحواذ يفيد في نقل تقنيات متطورة جدا إلى منطقة الخليج التي كانت إلى عهد قريب محتكرة أو لا يمكن الحصول عليها إلا بأسعار خيالية جدا وبشروط مجحفة.
فالأزمة العالمية وفرت فرصا لا يمكن أن تتوافر في ظروف عادية، بل يجب استغلالها استغلالا جيدا ومدروسا كي لا يكون الاستحواذ لنسخ مكررة أو لتقنيات منتهية العهد نتيجة بروز تقنيات جديدة كبروز عهد جديد من السيارات الهجينة التي بدأت الصين تنتجها بكميات تجارية أو سيارات خفيفة الوزن تنافس السيارات التقليدية، كل هذه التطورات يجب أن تؤخذ في الحسبان عند عمليات الاستحواذ، أي لا بد أن تكون عمليات الاستحواذ على تقنيات متقدمة جدا لها قدرة على توسيع عملياتها العالمية، وتضييق الفجوة للعديد من المنتجات المحلية التي تسببت في التضخم، وهي فرصة لمعالجة التضخم بطريق مباشر مثل توفير المواد الغذائية، لأن دول الخليج تعاني عجزا مائيا كبيرا ولا تستطيع أن تتوسع في زراعة محاصيل متنوعة، وبالاستحواذ على مناطق زراعية وصناعات قائمة عليها يجنب دول الخليج ارتفاعا في الأسعار عند حصول أزمات جفاف أو فيضانات أو كوارث عالمية في مناطق الإنتاج، فشركة المراعي حققت أول استحواذ لها في الأردن بمبلغ 126 مليون بنحو 75 في المائة من قيمة شركة صيدا للصناعات الغذائية المتطورة والباقي لمؤسسي الشركة.
فعمليات البيع الآن مغرية جدا بالنسبة للشركات التي تعمل في صناعات تواجه متاعب عديدة، وأنا هنا لا أتحدث عن الاستحواذ المالي للمساهمة في إنقاذ النظام المالي الأمريكي أو الأوروبي، بل أتحدث عن استحواذ يفيد اقتصادياتنا وتقوية شركاتنا وإعادة هيكلتها لتعزيز أسعار أسهمها في أسواق الأسهم المحلية، بل كذلك يكون الاستحواذ على شركات ذات تقنيات متطورة غير متاحة ومتوافرة في منطقتنا، إذ وصلت تقييمات هذه الشركات بأقل من قيمتها الحقيقية وأصبحت هدفا سهلا لشركات الأسهم الخاصة، فمثلا بعض الشركات أصبحت قيمتها خمسة مليارات دولار من قيمتها السابقة التي تبلغ نحو 50 مليار دولار.
وكي لا تصبح الشركات العائلية الخليجية تحت سيطرة أفراد سلبيين من العائلة، فالأفضل لهم الاندماج مع شركات أسهم خاصة أخرى ليكونوا أقدر على القيام بعمليات استحواذ كبيرة وضخمة تضيف إلى شركاتهم قيمة مضافة وتتوسع عملياتهم الإنتاجية والربحية وتستطيع أن توظف الشباب الخليجي الذي يعاني البطالة في منطقة تعج بالعمالة الأجنبية الرخيصة اعتادت عليها هذه الشركات نتيجة تحقيق أرباح محدودة لا تمكنها من توظيف العمالة الوطنية برواتب تتناسب مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المنطقة، فقد انتهى زمن سيطرة مجموعة من الأشخاص جل همهم أن يجلسوا دون حراك وأن يحصلوا فقط على توزيعات الأرباح دون مراعاة للتغيرات الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد العالمي ومسايرته وإن سلبيتهم تضر بالاقتصاد في نهاية المطاف.
ففي ظل أسواق تتغير بسرعة لا يصمد أمامها إلا المستثمرون النشطون القادرون على التعامل مع التغيرات الاقتصادية العالمية، واستغلال الفرص المواتية والمتاحة فيه.
ولا بد في الوقت نفسه أن نحافظ على الشركات العائلية لأنها ثروة وطنية تم تأسيسها بجهود ذاتية وجبارة في ظروف صعبة للغاية وفيها ميزة تختلف عن الشركات المساهمة لأنه يصعب على الإدارة فيها أن تثرى على حساب حملة الأسهم، بينما في الشركات المساهمة ينشأ تضارب في المصالح الذي يعرف بمشكلة الوكالة لأن الأتعاب التي يتقاضاها الرئيس التنفيذي وبقية المديرين الكبار في الشركات لا تتناسب أحيانا مع عوائد حملة الأسهم، بينما في الشركات العائلية الذين ترتبط ثرواتهم بشركة واحدة لديهم دافع قوي لمراقبة الإدارة عن كثب ولإحكام قبضتهم على أموال حملة الأسهم، لذلك فالشركات الهجينة من النوعين هي من أفضل أنواع الشركات لتقليص عيوب النوعين تحمي الشركات العائلية في النهاية من الانهيار، وفي الوقت نفسه تقيد الإدارات في التحكم المباشر في الشركات الذي يتعارض مع حملة الأسهم.
فالفرصة مواتية للشركات العائلية الخليجية في إعادة هيكلتها من خلال استحواذات جريئة واتباع استراتيجيات إبداعية كي تعود بفائدة مزدوجة على أفراد العائلة المؤسسين والمستثمرين الخارجيين.
وحتى وقت قريب كان المستثمرون الخليجيون يشتكون من ارتفاع أسعار العلامات التجارية، بينما أصبحت الآن الأسعار متاحة بأسعار مغرية وزهيدة من أجل الحصول فقط على السيولة الشحيحة المتوافرة في العالم، أو في الحصول على قاعدة جديدة من العملاء بعدما انخفض الاستهلاك المحلي والعالمي من أجل الحفاظ على مبيعات قوية.
لا بد أن نضع استراتيجيات فاعلة وقوية نضمن بها تطوير الشركات الخليجية الصغيرة لتتحول إلى شركات وطنية لاعبة رئيسة قابلة للنمو والتوسع والمنافسة العالمية، وفي الوقت نفسه يمكن توجيه السيولة الخليجية نحو الاستحواذ على الشركات العائلية الخليجية المتعثرة للحفاظ على بقائها، ولكنها شركات قابلة للنمو والتوسع، ومن الضروري أن تقتنع تلك العوائل في ظل تمسكها بالنظام العائلي القديم الذي توارثته جيلا بعد جيل أن البقاء يكون للأقوى في ظل التقلبات التي تشهدها الأوضاع الاقتصادية الإقليمية والعالمية خصوصا في ظل اقتصاد عالمي مفتوح لا يسمح لحماية وبقاء تلك الشركات لفترة طويلة.
فالشركات العائلية والخليجية لا بد أن تدخل منافسا قويا للصناديق السيادية العالمية في مجال المساهمات الخاصة (الاستحواذ) على صفقات لشراء شركات تراوح قيمتها بين 100 و200 مليون دولار بعدما كانت تركز على عمليات استحواذ لا تقل عن مليار دولار.
وأن يكون الاستحواذ من خلال شراء حصة الأغلبية 50 في المائة فأكثر من الملكية في شركات تتمتع بمستقبل واعد من النمو والتوسع.
فالشركات العائلية في منطقة الخليج يمكن أن تقلب الطاولة وتسهم في تنويع مصادر الدخل وتخلص دول الخليج من الهلع عند انخفاض أسعار النفط نتيجة اعتماد ميزانياتها على 88 في المائة على صادرات النفط، وأن النجاح المستقبلي لتلك الشركات يعد شرطا أساسيا لدعم بروز المنطقة كمركز تجاري وصناعي وسياحي ومالي عالمي رائد، أي أن الشركات عليها أن تتكيف مع القيم الاجتماعية المتغيرة والتقنيات الحديثة والمنافسة المتزايدة.
وستظل الشركات الخليجية والعائلية ركيزة من ركائز الاقتصاد المزدهر في المنطقة، وحتى على المستوى العالمي فإن كل شركتين من أصل ثلاث شركات هي عائلية وتشغل 50 في المائة من اليد العاملة الدولية، بينما الشركات العائلية الخليجية لا تشغل اليد العاملة الوطنية إلا بنسبة ضئيلة جدا إذا قورنت بالشركات العائلية العالمية، وكذلك الشركات الخليجية التي هي على عكس الشركات العائلية تعود إلى أسباب عديدة منها: أن عوائد الشركات العائلية خصوصا الصغيرة منها عوائدها أقل من ربع عوائد الشركات الخليجية وهي فرصة مواتية لإعادة هيكلتها للانضمام إلى الشركات الخليجية في توظيف اليد العاملة الخليجية وتأسيس قاعدة إنتاجية ضخمة.
فالشركات العائلية أثبتت الدراسات أن سبعا من أصل عشر شركات عائلية تفشل في تنفيذ عملية الانتقال إلى الجيل الثاني فيما لا تصل إلا واحدة من أصل عشر شركات إلى الجيل الثالث، لذلك فإن فرصة الاندماج والاستحواذ هما الحل الوحيد من أجل استدامة أعمالها والحفاظ على أدائها القوي على المدى الطويل.
فالقطاع الخاص في دول الخليج لا بد أن يمتلك زمام النشاط الاقتصادي خصوصا وأن دول المنطقة الأقل تأثرا بالأزمة العالمية الاقتصادية مستفيدة من رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للعالم وللاقتصاد المحلي عن إعلانه ضخ 400 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد الوطني الذي يسهم أيضا في المشاركة في تحفيز الاقتصاد العالمي وأن هذا الضخ سيكون على مدى خمسة أعوام مقبلة كفيلا بإنعاش الاقتصاد الوطني ودعم الصناعات الوطنية، ويدعم هذا التوجه توقيع الحكومة السعودية عقودا مع شركات مواد بناء محلية لبناء مشاريع حتى نهاية عام 2009.
فمشاريع البنى التحتية كفيلة بأن تضمن دوران الدورة الاقتصادية بشكل تام خلال العام المقبل ريثما يصحو العالم من أزمته وتنتعش اقتصاداته ومن ثم ترتفع أسعار النفط مرة أخرى لتعود مسيرة الخطط الاقتصادية الطموحة التي وضعتها دول المنطقة قبل حدوث الأزمة، ولكن هذه المرة تكون بشكل أكثر توازنا بحسب الأولويات.