نوافذ هوياتنا السرية

على الذاكرة أن تستيقظ، حتماً عليها أن تفعل ذلك، وإلا فإن النزعة ستتملكها، الخوف سيسكنها، وستفقد كل ما لديها، وقد تكون ( آخر )!
الـ (أنا) دائماً مرتبطة بالهوية، والهوية متى ما تحددت أصبحت قالبا ثابتا واضحا من الصعب الحياد عنه، لأنها تكوين كامل مبني، لكن لماذا نجد دائماً أن المثقفين يعانون كثيراً من نزعات الهوية؟، هل هو صوت الآخر؟ أم صوت الذات؟
مدركو الفن لا يختلفون على احترافية فنان هوليود الأمريكي جوني ديب، وقدرته الهائلة على عيش الشخصية قبل تجسيده للدور، فيشعرك بأنه ارتدى حقيقة الشخص كاملة.
أحد أروع الأفلام التي قاد بطولتها كان فيلم Secret Window الذي قام بإخراجه David Koepp عام 2004، وقد لعب فيه دور (مارت) الكاتب الذي يعيش نزاعاً مع الآخر تحول إلى نزاع مع الذات.
تدور أحداث الفيلم حول الكاتب مارت الذي جاء إليه بعد صدمة خيانة زوجته له، شخص اسمه (جون شوتر) يدعي بأن مارت سرق قصته Secret Window رغم أنه كتبها بعد عامين من كتابة مارت لها، رفض مارت في البداية قراءتها وتقبل ادعاءات شوتر إلا أنه بعد أن قرأها صُدم بأنها ذات القصة تماماً، بدأت بعدها سلسلة من الجرائم تحدث أمامه وهو يحاول إثبات لشوتر بأن القصة ملكه إلا أن الآخر لم يكن يدع له مجالاً لذلك.
في نهاية اليوم وعندما يتواجه مارت الكاتب مع ذاته يكتشف بأن جون شوتر لم يكن شخصا حقيقيا إنما ذات أخرى هو من قام بصنعها من مخليته، وقد عانى طوال الفيلم معها بانفصام في الشخصية حتى أدت له جميع ما لم يستطع هو فعله، فقد كان جون شوتر من قبل شخصية خلقها مارت في مخيلته قادرة على فعل الكثير، والكثير هنا يعني ما لا يستطيع هو فعله.

أكثر ما برع فيه جوني ديب في هذا الفيلم ملامح القلق والتوتر والاضطراب النفسي التي كان يعيشها الكاتب في القصة، فقد صور كيف يمكن للكاتب عندما لا يجد ذاته وبالتالي يفقد هويته، بأن يخلق له متخيل تابع، بدا الكاتب غارقاً في ذاته منعزلاً عن الآخرين، لم يستطع التواصل سوى مع كلبه الذي يعيش معه وهنا ربما يأتي من كونه ليس مضطراً لأن يتعايش معه، وعند استعادته مع زوجته السابقة لأسباب خيانتها نجد أن هناك فجوة كبيرة في التواصل بين الاثنين تصف عزلة الذات التي يعيشها الكاتب وتؤثر في معايشته مع الآخر، وخروج شخص جون شوتر من مارت يعني بأن الكاتب يشعر بالعالم من حوله ويتأثر لكنه غير قادر على أن يخوضه، فيعيش في حالة قلق واضطراب نفسي وتوتر فتخرج عنه الـ (أنا) لتتجزأ إلى عدة هويات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي