حوار حول تقنين النمو السكاني في المملكة

هي مجادلة لا بد من طرحها ومناقشتها، ففيها تتباين الآراء وتختلف الاتجاهات. هناك دول تسعى إلى تقنين النمو السكاني مثل الصين وهناك دول تشجع النمو السكاني مثل كثير من الدول الأوروبية, وهناك دول تعمل جاهدةً على تشجيع الهجرة إليها مثل كندا وأستراليا. وعلى الرغم من حساسية هذه المسألة فإن الحكومات هي من يتخذ القرارات المتعلقة بتقنين أو تشجيع النمو السكاني, وفي كثير من الأحيان فإن هذه الحكومات لا تعير آراء مواطنيها كثيرا من الاهتمام لسبب بسيط ولكنه مهم جداً ألا وهو أن هذا الأمر أمر استراتيجي يتعلق بمستقبل ومصير الدولة. المجادلة حول تقنين أو تشجيع النمو السكاني موجودة وبقوة في كثير من الدول, إلا أن بعض الدول مثل المملكة التي تواجه انفجارا سكانيا كبيرا لم تنشئ حوارا أو نقاشا في أوساط فئات المجتمع بسبب غير معروف! فإما أن الحكومة لا تعير هذه المسألة اهتماما كبيرا وهذا قد يدعو إلى القلق وإما أن مواردنا تكفي لمواجهة معدل النمو وما تحتاج إليه أجيال العقود المقبلة من الزمن. ولكن كيف لمواردنا أن تكون كافية ونحن قد شددنا حزامنا أكثر من مرة والفقر لا يزال يخضع لعمليات علاجية قد تنجح أو لا تنجح؟ لقد أتى الوقت, منذ سنوات مضت, لخلق حوار في أطراف المجتمع السعودي الرسمية وغير الرسمية. هذا الحوار سيسهم في تحريك الفكر الجامد حول مسألة النمو السكاني وسيرفع مستوى التوعية بين المواطنين وتعريفهم بهذا التحدي وما يجب فعله للتعامل مع هذه المشكلة.
أطراف المجادلة في النمو السكاني ينقسمون إلى فئات مختلفة، فمنا من يرى أن الزيادة غير المحدودة تعد أمرا ضروريا لبلد يملك مساحات شاسعة غير مأهولة حتى وإن كانت هذه المساحات تتكون من كثبان صحراوية، فأستراليا التي تتكون غالبية مساحتها من صحارى تشجع الهجرة إليها حتى وإن كانت هذه الهجرة مشروطة بمؤهلات ومساهمة ملموسة في الاقتصاد, أي أنها ستكون موجهة للقيام بخدمات معينة قبل أن تسمح لها بالهجرة. ومنا من يرى أن الزيادة ضرورية لدعم القطاع العسكري وخاصةً الجيش، فالحجة هنا أن الزيادة في عدد السكان مهمة للدفاع عن المملكة حتى وإن كانت التكنولوجيا ومن يطورها أهم من عدد أفراد الجيش, ومنا من يرى أن الزيادة في السكان ستسهم في تقليل أعداد الأجانب المرتفعة وتمكين سعوديين من أماكنهم في سوق العمل حتى إذا كنا غير قادرين على تقليص البطالة في معدل السكان الحالي وفي ظل الطفرة الاقتصادية التي نمر بها. ومنا من يرى أن النمو غير المحدود سيجعل للدولة هيبة ووزناً وثقلاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً إلا أن الأمثلة لا تدل على ذلك فمصر دولة تعاني النمو القاصم لاقتصادها ودولة مثل إسرائيل أكثر من مصر مرونة وهيبة ووزنا. ومنا من يرى أن النمو غير المقنن سليم إذا توافر التخطيط السليم المواكب لهذا النمو في الخدمات الأساسية مثل السكن, الصحة, التعليم, الضمان الاجتماعي, الأمن, المواصلات... إلخ. حتى وإن كنا لا نزال نضع أحجار الأساس للبنية التحتية التي لم تف بعد بمتطلبات من شملهم التعداد السكاني السابق!
الخيار يكمن في أحد أمرين, إما أن تتخذ الحكومة سياسة تهدف إلى تقنين أو تشجيع النمو السكاني إذا كانت ترى أن اقتصادنا سيعاني من أو يحتاج إلى النمو السكاني، وإما أن يتم خلق حوار يهدف إلى توعية المواطنين بأبعاد وتأثير النمو السكاني في مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. لنبدأ بالنظر إلى حالة الأسرة السعودية اليوم, وهل تقدر أن تنجب أعدادا أكبر من الأطفال في ظل متطلبات العصر المتزايدة؟ وهل سينتج عن هذا زيادة في راحتها ورفاهيتها أم أن ديونها ستوازي الجبال ارتفاعاً وتقفز بالبطالة قفزة الزانة وتخسف بمستوى دخل الفرد السعودي وتنشر الجريمة والانحطاط الأخلاقي وهو شر لا يمكننا مواجهته؟ لنسمع أو لنقرأ الآراء حول هذه المسألة فقد حل وقت نقاشها منذ سنواتٍ مضت. المجادلة بين يديكم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي