لتكون ذاكرتنا أكثر شفافية

في الآونة الأخيرة أُعلن عن دراما تلفزيونية سورية ستظهر قريباً تصور حياة الشاعر الراحل محمود درويش، وقد تباينت ردود الفعل ما بين مؤيد ومعارض، لكن المعارضين غالبيتهم كان سبب اعتراضهم هو فشل أعمال سابقة جسدت عن فنانين وخشيتهم أن يطول هذا العمل أيضاً الفشل ذاته.
في حوار نقاشي جرى في إحدى المكتبات الإلكترونية في الإنترنت حول ذات الموضوع علقت إحداهن على أن اعتراضها منطلقاً من جانب أن مثل هذه الأعمال تصور الشخص المجسد على هيئة ملائكية مبالغ فيها، وقد تصوره بصورة أحياناً تبتعد حتى عن الحقيقة، فيتراجع العمل عن قيمته الحقيقية، وأحد الأسباب التي من المفترض أن تكون هدفاً أكبر أثناء تنفيذ العمل وهو إيصال صورة الفنان أو المثقف للمشاهدين بشكل أوسع.
في ملحق ثقافة الخميس لصحيفة "الرياض" المحلية كتب جهاد فاضل مقالاً في العدد 13982 تحت عنوان (السيرة النزارية) يتحدث فيها حول كتاب نزار قباني الذي كتبه قبل وفاته يسرد فيه سيرته الذاتية بعنوان (من أوراقي المجهولة سيرة ذاتية ثانية)، وعن المعلومات الخاطئة التي كتبها بنفسه عنه ومن ثم بعد وفاته نفتها عشيقته كوليت خوري وقد أخذت على نفسها مهمة تصحيح المعلومات في السيرة النزارية كما ذكر في المقال.
إذا كان النقل عن الآخر يحتوي على معلومات خاطئة، والكتابة من قبل الشخص ذاته أيضاً يحتوي على معلومات خاطئة، فكيف سيتم توثيق الحيوات بصورة حقيقية؟
نجد الكثير من المهتمين والقراء يحبون قراءة كتب السير الذاتية لأن شيئاً ما في حياة الآخرين يهمهم، خاصة ما إذا كانوا يحبون القراءة لهم أو معجبين بشخصيتهم فإنهم ينبشون في حياتهم وتفاصيلها، لأن هذه السير سواء كُتبت من قِبل أشخاص مقربين من الشخصية المتحدث عنها أو أن الشخصية ذاتها كتبت عن نفسها من المفترض أن تعكس الصورة الحقيقية عن حياته، لأنها قد تفسر الكثير من التصرفات أو حتى الكتابة، فكيف بعد كل هذه الأخطاء يستطيع القارئ الآن أن يثق بالحقائق المكتوبة؟

المشكلة أيضاً أننا نجد أحياناً البعض يكتب عن الآخر استناداً إلى تجميعه للكتب المكتوبة عنه، أو الحكايات المتداولة في الوسط ذاته من قبل زملاء المهنة، أو التنبيش في البعد الآخر للكتاب من خلال كتاباته هو، إلا أن هذا لا يعتبر مصداقية في كتابة السيرة.
أرى أن كتابة سيرة شخص ذي أهمية أكبر من كتابة نظرية! لأن السيرة هي انعكاس كامل عن شخصية ستتأثر رؤية القارئ بها، وقد تكون أكثر تداولاً في الحديث أيضاً، أحياناً أود لو يتوقف الناس عن كتابة السيرة أو تجسيدها بأي طريقة كانت، ولن تغيب لا حكاياه ولا ذكراه إذا ما ضل في كتاباتهم وحديثهم واستعادتهم من خلال القراءة لهم لنكون معهم أكثر شفافية!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي