اقتصادنا في مأمن .. فلماذا الفزع؟
يأتي تصريح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، لصحيفة "السياسة" الكويتية بعددها الصادر بتاريخ 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بأن اقتصادنا الوطني بمنأى عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية، بمثابة رسالة تطمين قوية للداخل وللخارج على سلامة ومتانة الاقتصاد المحلي في الحاضر وفي المستقبل، وأن أداء الاقتصاد المحلي لن يتأثر بتداعيات تلك الأزمة، الأمر الذي يؤكده استمرار الحكومة السعودية في سياستها الاستثمارية التوسعية المرتبطة بالإنفاق على المشاريع التنموية وفقما هو مخطط له مسبقا قبل بداية الأزمة، بحجم مبالغ تتجاوز قيمتها 200 مليار دولار أمريكي، هذا بخلاف ما تم رصده للميزانيات القادمة بكل ما فيها من مشاريع إنشائية وعمرانية وبنية تحتية.
للمزيد من التطمينات عن مستقبل الاقتصاد المحلي أكد الملك عبد الله في حديثه المذكور لجريدة "السياسة" الكويتية، أن أموال الدولة لم تضرر من جراء الأزمة المالية، الأمر الذي يؤكده عدم تأثر الفوائض المالية للدولة وأن الأموال السيادية للدولة بمأمن ولم تتعرض لأي إشكالات تذكر في الأسواق العالمية، كما أن ما يعزز من سلامة الاقتصاد السعودي قوة القطاع الخاص السعودي وقدرته على تجاوز تأثيرات تلك الأزمة بحمايته لأمواله ولمدخراته.
بالنسبة للانخفاض الشديد الأخير الذي شهدته أسعار النفط العالمية مقارنة بما كانت عليه في شهر تموز (يوليو) من العام الجاري، ومدى تأثير ذلك في الموازنة العامة للدولة، الملك لم يقلل من ذلك التأثير، إلا أنه في الوقت نفسه أكد على أن ذلك الانخفاض لن يؤثر بالشكل السلبي في موازنتنا أو في فوائضنا المالية، بسبب أن موازنتنا لم تكن في الأساس مقومة على الأسعار العالمية، بل إنها محددة على سعر آخر أقل من ذلك السعر العالمي، وما زاد عن ذلك السعر، تعتبره المملكة وتتعامل معه على أساس أنه فوائض مالية يتم توجيهها للاحتياطيات والأموال السيادية، مؤكداً في ذلك الخصوص على استمرار أهمية النفط كسلعة عالمية استراتيجية لضرورة استمرار التنمية الاقتصادية على مستوى العالم، وعلى أن السعر العالمي العادل لبرميل النفط هو 75 دولارا، مستبعداً في الوقت نفسه وبالذات في الوقت الحاضر توصل العالم لإيجاد بديل للطاقة عن النفط، ولاسيما أن النفط لا يزال مادة مهمة للغاية في وقتنا الحاضر باعتباره عصب الصناعة الدولية، مؤكداً، يحفظه الله، في هذا السياق أن النفط سيظل هو المصدر الرئيسي والكبير لموازنات دول المنطقة، التي تمتلك وتتربع على ثلث الاحتياطي العالمي، ولكن على الرغم من ذلك ومع الزمن ستكون بإذن الله تعالي هناك موارد اقتصادية أخرى بأهمية مورد النفط لدول المنطقة، وبالذات بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي حباها الله بخير وفير علينا شكر المولى عز وجل عليه.
إن تلك التطمينات القوية عن مستقبل الاقتصاد السعودي يجب أن يتعامل معها المواطن وقطاع المال والأعمال السعودي بمنتهي المسؤولية والجدية والإدراك والوعي المطلوبة، لكونها وكما وصفتها كلمة "الاقتصادية" بالعدد 5529، صادرة من رأس هرم الدولة المسؤول الأول عن سلامة الاقتصاد والمعني الأول باستمرار استقراره، ومن هذا المنطلق برأيي يجب أن تكون المعلومة واضحة وجلية عن حاضر ومستقبل الاقتصاد السعودي بما يقطع الشك باليقين، وبالذات حول جوانبه المالية والاستثمارية، ولاسيما أنها مدعومة بحسابات ميزانية حكومية مستقرة، بعيدة كل البعد عن تأثيرات تلك الأزمة، وأن استمرارية تنفيذ المشاريع التنموية المستقبلية لن تمس بصرف النظر عن الانخفاض الشديد الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الآونة الأخيرة، نظراً لاستقرار إيرادات الميزانية العامة للدولة من جهة، ومتانة قاعدة الاحتياطيات والفوائض المالية العامة للدولة من جهة أخرى، الأمر الذي يؤكده تخصيص الدولة مبلغ 400 مليار دولار للاستثمارات في القطاعين العام والنفطي على مدى خمسة أعوام، بهدف المحافظة على نمو الاقتصاد المحلي واستمرارية وتيرة التنمية التي تعيشها المملكة.
برأيي أن حديث الملك عبد الله الضافي عن مستقبل الاقتصاد السعودي لصحيفة "السياسة" الكويتية، بتلك الشفافية وبذلك الوضوح المطلق، وبوضع النقاط على الحروف، سيعمل على القضاء على جميع الشكوك التي تحوم بين الحين والآخر حول قدرة الاقتصاد السعودي على التعامل مع إفرازات تلك الأزمة المالية العالمية، كما أن ذلك الحديث من المفترض له أن يقضي على حالة الذعر والهلع والفزع التي أصابت الناس، لاسيما وأن ذلك الذعر لا مبرر له، وقد أسهمت فيه وفقما ورد بحديث الملك الآلة الإعلامية الدولية المرئية والمسموعة، التي خلفت وراءها جوا مخيفاً، وكأن ما يحدث في أمريكا يمكن حدوثه في الرياض أو في جدة أو في أي من مدن المملكة.
خلاصة القول، إن حديث الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله -الاقتصادي الضافي عن مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل معطيات الأزمة المالية العالمية وتفاقم إفرازاتها، وتأكيده على سلامة ومتانة ذلك الاقتصاد بصرف النظر عن ضراوة الأزمة والضجيج الإعلامي الذي يثار من حولها، وما يتسبب فيه ذلك من انتشار حالة من الرعب والذعر الشديدين في العالم، يجب أن يتعامل معه المواطن والمقيم بالمملكة بما في ذلك قطاع المال والأعمال، ليس من منطلق الطمأنة العابرة فحسب، ولكن من منطلق الإحساس بالمسؤولية والجدية والالتزام، ولاسيما أن تلك التطمينات صادرة عن رأس هرم الدولة، وتستند إلى حقائق اقتصادية ثابتة لا تحتمل التأويل أو التفسير الخاطئ لها، وبالذات وأنها صادرة من ملك صادق في القول وفي الفعل وليس لديه ما يخفيه، والله من وراء القصد.