الشركات السعودية ومعضلة العالمية .. مسألة ثقافية أم عدم إرادة؟
مناقشة موضوع كهذا لا يمكن إيفاؤه حقه في مساحة هذا المقال المتواضعة. ولكن إسداء بعض من النور عليه قد يفيد في إحياء النقاش في صفحات هذه الجريدة أو في أروقة الغرف التجارية أو في قاعات المؤتمرات الإدارية أو في جنبات وزارة التجارة. الطريق نحو العالمية مفتوح لمن لديه الإمكانات والموارد والمعرفة والخبرة وقبل كل شيء الإرادة, لكنه طريق لم يقرر عدد كبير من شركاتنا سلكه رغم إمكاناتها ومواردها .. لماذا؟ أهي معضلة أم أن الشركات السعودية لا تملك الإرادة للانتشار دولياً؟ كلا الأمرين يستحق النقاش والمناظرة مع رجال وسيدات الأعمال. إن كانت معضلة فلا بد من تشخيصها وتحليلها وفهمها لكي تتمكن الشركات من التعامل معها وتخطيها, فتحقيق معدل أكبر من الانتشار الدولي يعد أمرا في غاية الأهمية لاقتصادنا ولتعزيز قدرة شركاتنا التنافسية. في وقت حقق فيه كثير من الشركات السعودية أرباحا كبيرة جداً على مدى السنوات الخمس الماضية, إلا أن كثيرا من هذه الشركات لم تحاول أن تخطو خارج منطقة الخليج أو المنطقة العربية. مما لاشك فيه أن كثيرا من الشركات تمتلك الموارد التي تمكنها من دخول أسواق دولية يوجد فيها مستوى جيد من الطلب لدى المستهلكين ولكنها لم تعبر الحدود لأسواق خارج مجموعة الدول ذات اللسان العربي التي يرتاح لها المديرون السعوديون. فهي أسواق مماثلة للسوق السعودية في أنظمتها وتركيبتها, يِمكنهم التنبؤ بتغيراتها ويمكنهم تصميم الإدارة والتسويق بشكل مطابق أو مشابه للاستراتيجية الإدارية والتسويقية الموجودة في المملكة. استراتيجية النسخ واللصق المتبعة في الأسواق العربية ليست غريبة أو غير فاعلة بل إنها عادة ما تكون الأفضل بسبب تقارب ثقافات وسلوك المستهلكين في هذه الدول. هذه الاستراتيجية لا تتطلب قدرا كبيرا من الإبداع الإداري والتسويقي, بل إنها تتميز بالروتينية والبساطة وهذا ما جعلها مريحة وجذابة ما أسهم في دخول رجال وسيدات الأعمال في الأسواق العربية.
الانتشار دولياً أو عالمياً يعني الدخول في أسواق لا يوجد فيها لسان عربي, ولها ثقافة وأنظمة وبنية تختلف عما هو موجود في الوطن العربي. هذا بطبيعة الحال يعني أن التحدي الإداري أكبر بكثير ويتطلب درجة عالية من الإبداع والمرونة ويستلزم وجود فكر تسويقي عال وفهم أكبر للذات السعودية التي قد تكون أحد الموانع في دخول الأسواق الدولية. أي أنها معضلة حيث لا يجيد بعض رجال وسيدات الأعمال إتقان التعامل معها, وهي أيضاً عدم إرادة لتخطي الحدود السعودية أو العربية. فكثير من الشركات السعودية مملوكة لعائلات تقوم بإدارة هذه الشركات. هذه العائلات يمتلكها الحذر وهو سلوك عادةً ما يميز المديرين الذين يديرون شركاتهم المملوكة من قبلهم, ليس فقط في المملكة ولكن في كل مكان من العالم, خاصةً الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. الشركات السعودية كبيرة الحجم التي تتم إدارتها مباشرة من قبل ملاكها أصبحت تهوى إنشاء شركات فرعية تستثمر فيها إلى حد أن تنمو إلى المستوى الوطني أو حتى إلى المستوى الخليجي, بعد هذا يشرع الملاك في تأسيس شركات جديدة في مجالات مختلفة على المستوى الوطني وهكذا. وبعد حين من تأسيس هذه الشركات متباينة الأنشطة يظهر لنا مالك هذه الشركات باسم "مجموعة". كثير مما يسمى (مجموعة) قد تكون لها أنشطة في المقاولات, المواد الغذائية, السياحة والسفر, صناعة البلاستيك, الصيانة والتشغيل, أجهزة ومعدات, خدمات واستشارات, الوجبات السريعة والبطيئة .. إلخ. أي أن (مجموعة) سيدنا سيد الأعمال لا تخصص لها إلا ما ندر, فيصبح مشتتا وغير مركز في نشاط معين, فترى شركة واحدة من مجموعته/ها تحظى باهتمام أكبر وتكون هي الأنجح, فيما تتفاوت الشركات الأخرى في أدائها, ما يعني أن فرصتها في تخطي حدود المنطقة العربية ضئيلة.
مع الزيادة المطردة لأهمية القطاع الخاص في نمو واستقرار اقتصاد المملكة, فإن الحاجة إلى نقاش مسألة الانتشار الدولي أو العالمي لشركاتنا مطلوبة حتى في وقت تشير فيه كل المؤشرات إلى انحسار الاقتصاد العالمي. أسعار النفط بدأت في تسجيل تراجع شديد على مدى الأسابيع القليلة الماضية ومن المحتمل استمرار هذا التراجع. في أوقات مثل هذه يكون للقطاع الخاص دور كبير في دعم الاقتصاد, خاصةً عندما يكون في القطاع الخاص شركات كبيرة بأعداد كبيرة لها حضور دولي وعالمي. الأزمات المالية لا تبقى لفترات طويلة جداً ولكن خلال هذه الأزمات يتم التخطيط والتجهيز لما بعدها, فطبيعة المنافسة التي تلي هذه الأزمات يتم رسمها والتأثير فيها خلال فترة الأزمات. فنقاش مسألة الانتشار الدولي ستسهم في تجهيز شركات القطاع الخاص لما بعد الأزمة.