(الجن) وعمليات الاختطاف!

ما حكاية عمليات اختطاف النساء والأطفال التي تنسب لـ (الجن) في بلادنا؟
هل الأمر مزحة ثقيلة تروجها بعض الصحف دون قصد, أم أن هناك بالفعل إجماعا بين الناس على إجرام هذه الكائنات اللامرئية؟
قبل سنتين تقريباً أشارت بعض الصحف بأصابع الاتهام إلى (الجن) في قضية اختفاء فتاة في منطقة الباحة لأشهر قبل أن يُعثرعليها سليمة في أحد الأودية في المنطقة, وأمس الأول نشرت صحيفة سعودية خبر اختفاء الفتاة نفسها تحت عنوان غريب كتب بالبنط العريض هو (مخطوفة الجان تعود للاخـتـفاء), وجاء في الخبر أن والد الفتاة - أعانه الله وصبره على مصيبته - أكد أن اختفاء ابنته بسبب الجان الذي سبق أن اختطفها مرتين قبل هذه المرة, وأوضح أن الاختفاء الأخير دام ثمانية أشهر، ولم يعرف منه إلا أنها مصابة بمس من الجان نتيجة الظروف التي صاحبت فترة صغرها, إضافة إلى أنها كلما عادت من اختفاء لا تتذكر أي شيء مما حدث لها.
والحق أقول إنه ليس باستطاعتي أبداً أن أصدق مثل هذه الأساطير حتى وإن نشرت في جميع صحف العالم وتضمنت تصريحات صحفية من الجن أنفسهم, فالفتاة المفقودة يبدو من حالاتها أنها تعاني مرض انفصام الشخصية, وهو مرض نفسي معروف ويستلزم خضوعها للعلاج, أما حكاية أن أحد (الجن) وضعها في رأسه وقرر أن يعبث مع أهلها بين فترة وأخرى بخطفها وربما سيفكر مستقبلاً في تصوير العمل الذي قام به كعملية إرهابية وسيطالب أهلها بفدية عبر فيلم فيديو مسجل يبعث به إلى إحدى الفضائيات من مكان مجهول فهذه أمور كان من الممكن تصديقها في عصور الظلام لا في عام 2008م. فقد شاعت في تلك العصور حكايات وأساطير مشابهة وانطلت على الناس لجهلهم وقابليتهم للإيمان بالأساطير .
في القرن الثالث للميلاد على سبيل المثال قال (مينكيوس فيليكس) عن كائنات لا مرئية راجت قصصها آنذاك حسب رواية أوردها (وليم وودز) في كتابه (تاريخ الشيطان):
"إنهم شياطين.. وتستطيع أن تصدق شهادتهم فهم يعترفون بالحقيقة, وحين تناشد هذه الشياطين المسكينة باسم الله الحقيقي فإنها تتقلص خوفاً وهي تنزوي في أجساد البشر, ثم إما أن تخرج وإما تختفي تدريجياً"!
وبعدها بقرن ونصف قال (تيوفيلوس ألكسندريا):
"إن هوميروس وهيزيود كانا ملهمين من قبل روح مخادعة, فهناك أكثر من شيطان اعترف بعد إخراجه من الأجساد بأنه كان يعمل مع الشعراء!".
طبعاً هذا ما كان يُقال في أوروبا قبل أكثر من 15 قرناً من الزمن, والعجيب في الأمر أنه هو نفسه ما يُقال في صحفنا اليوم عن حادثة اختفاء فتاة مسكينة, فهل يعني هذا أننا متخلفون بـ 15 قرناً تقريباً عن أولئك الناس, بحيث نطمئن على مستقبلنا ونثق بأننا سنتخلص من مثل هذه الأساطير بعد انقضاء تلك المدة بإذن الله؟!
إنني أتمنى من كل قلبي أن تعود تلك الفتاة المختفية إلى أهلها بأسرع وقت دون أن تُمس بأي أذى, وأدعو والدها وأقاربها إلى التخلص من الأوهام التي دهورت حالتها, والعمل على علاجها نفسياً بعد عودتها مهما كلف الأمر, فهي أمانة في أعناقهم وسيحاسبون عليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي