رؤية ثاقبة للمليك للتعامل مع الأزمة المالية العالمية

عزى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ أسباب الأزمة المالية العالمية، في الكلمة التي ألقاها في اجتماع قمة مجموعة الـ 20 الاقتصادية، إلى العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية، ما أسهم بشكل كبير في الانتشار العالمي السريع لتلك الأزمة، مؤكداً ـ يحفظه الله ـ في هذا الخصوص، على جسامة الأزمة وخطورتها وآثارها السلبية في الاقتصاد العالمي بأسره، وبالذات على الدول الفقيرة، التي ستزداد معاناتها، ما سيجعلها غير قادرة على تحمل آثارها، وسيضعها بحالة مالية صعبة تجعل من تحقيقها لأهدافها التنموية أبعد من أي وقت مضى.
الملك عبد الله ـ يحفظه الله ـ حدد بخطابه المذكور عددا من الحلول للتعامل مع الأزمة المالية العالمية والحيلولة دون تكرار حدوثها في المستقبل، التي أتت في مقدمتها المطالبة بتنظيم الأسواق من خلال تطوير آليات الرقابة عليها، بما في ذلك تطوير الأنظمة والجهات الرقابية على القطاعات المالية، ومن بين الحلول كذلك التي أشار إليها ـ يحفظه الله ـ ضرورة تعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على القطاعات المالية في الدول المتقدمة.
بهدف التخفيف من حدة الأزمة المالية العالمية وآثارها السلبية في الدول النامية، وبالذات الفقيرة منها، حث الملك عبد الله ـ يحفظه الله ـ الدول المانحة وصندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات المالية الأخرى، بالقيام بدورها في هذه الأزمة المرتبط بتقديم الدعم لتلك الدول لتتمكن من مواجهة آثار الأزمة على اقتصاداتها، كما قد شدد ـ يحفظه الله ـ في هذا الخصوص على ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى تحرير التجارة والاستثمار، التي أدت خلال العقود الماضية إلى تحسين مستويات المعيشة العالمية.
الملك عبد الله ـ يحفظه الله ـ في كلمته المذكورة، أشار إلى أهمية الدور الحيوي الذي تلعبه الدول الناشئة من خلال عضويتها في مجموعة دول الـ 20، وبالذات فيما يتعلق بالتصدي للقضايا الاقتصادية العالمية، ولاسيما أنها قد أثبتت خلال السنوات الماضية قدرتها على بناء التوافق فيما بينها وبين الدول المتقدمة، والإسهام في دفع عجلة الإصلاحات في صندوق النقد الدولي، وفي تطبيق المعايير الدولية، وفي توفير نقاشات بناءة حيال التغيرات السكانية، وأمن الطاقة، والتجارة وغيرها من القضايا المهمة. وفي هذا الخصوص أوضح الملك الدور المحوري والمهم الذي تقوم به المملكة في الاقتصاد العالمي، من خلال العمل على استقرار سوق البترول الدولية وبذل الكثير من التضحيات في هذا المجال، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الاحتفاظ بطاقة إنتاجية إضافية مكلفة تصل إلى نحو مليوني برميل يومياً، هذا إضافة إلى المبادرة التي قامت بها المملكة بالتعاون مع الدول الصديقة لإنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض، بهدف تفعيل الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط، ولكن على الرغم من إسهام المملكة بسخاء في مساعدة ودعم نمو الاقتصاد العالمي والدول النامية بمبالغ كبيرة، تفوق النسب التي قررتها الأمم المتحدة، إلا أنها لم تغفل عن دورها الأساسي المرتبط بتوفير الدعم اللازم لاستمرار وتيرة التنمية المحلية، الأمر الذي أكد ـ يحفظه الله ـ في خطابه المذكور، مواصلة الحكومة تنفيذ برنامج الاستثمار الحكومي بالإنفاق على المشاريع والخدمات الأساسية، وتعزيز الطاقة الاستيعابية بمبلغ 400 مليار دولار أمريكي، ليشمل ذلك القطاعين الحكومي والنفطي خلال السنوات الخمس المقبلة.
إن القارئ والمحلل لخطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ يجد أن هناك توافقا كبيرا بين رؤيته الثاقبة في تشخيص أسباب الأزمة المالية العالمية، وسبل معالجتها، مع بقية رؤى قادة مجموعة دول الـ 20، وبالذات في الجوانب المرتبطة بضبط سلوكيات العولمة وتوجهاتها، والمطالبة بإصلاح النظام المالي العالمي بهدف استعادة الثقة للأسواق العالمية من خلال التعرف على مواطن الضعف الكامنة في التعاملات والأنشطة المالية ومعالجتها، وكذلك من خلال التعرف على مواطن الضعف الكامنة في الأدوات المالية المختلفة ومعالجتها، مثال صناديق التحوط والمشتقات السندات المعقدة المرتبطة بالرهونات العقارية، كما أن التوافق في الرؤى بين المليك وبقية قادة مجموعة دول الـ 20، فيما يتعلق بضرورة إعطاء وزن وثقل أكبر لتمثيل الدول النامية في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سيتحقق عنه إدارة أفضل في المستقبل لتلك المنظمتين الدوليتين، وتمكينهما من القيام بدورهما التنموي المطلوب بشكل أفضل.
في رأيي كذلك أن ذلك التوافق في الرؤى بين قادة دول مجموعة الـ 20 حول تحديد أسباب الأزمة المالية العالمية سيساعد إلى حد كبير على إيجاد الحلول المناسبة لها، والتسريع من وتيرة الإصلاحات المنشودة للنظام المالي العالمي.
خلاصة القول، في رأيي، إن الرؤية الثاقبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ المرتبطة بتشخيص أسباب الأزمة المالية العالمية وحلولها، وتوافق تلك الرؤية مع رؤى بقية قادة الدول الأعضاء في مجموعة الـ 20، بالذات المرتبطة بضبط سلوكيات العولمة وتوجهاتها، والمطالبة بإحكام الرقابة على القطاعات والأنشطة المالية العالمية، ستساعد على القضاء على تلك الأزمة، بل ستعمل على تفادي تكرار حدوثها في المستقبل، هذا إضافة إلى أن الاتفاق على إعطاء وزن أكبر للدول النامية في صناعة القرار الاقتصادي العالمي سيعمل على القضاء على هيمنة وانفراد الدول الصناعية الكبرى بصناعة القرار الاقتصادي في العالم، بمعزل عن الدول النامية والناشئة، الأمر الذي سيتحقق عنه مبدأ العدل والمساواة في صناعة القرار الاقتصادي العالمي، وسينتج عنه تحقيق المصلحة العامة لجميع دول العالم وشعوبها، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي