حلمُ العرب الاقتصادي
كان مؤتمر القمة العربي التاسع عشر الذي عقد في الرياض خلال آذار (مارس) 2007م، قد اتخذ قرارا بتخصيص مؤتمر القمة المقبل، الذي سيعقد بحول الله في كانون الثاني (يناير) من عام 2009م في الكويت، لمناقشة الشؤون الاقتصادية التي تهم الأمة العربية. وقد حظي هذا القرار بترحيب واسع بين رجال الأعمال وأوساط الاتحاد العام لغرفهم التجارية والصناعية والزراعية، حيث اتحدت رغبتهم مع رغبة الأمانة العامة للجامعة العربية لتقديم توصيات اقتصادية محددة ترفع للقادة العرب من أجل الإسراع في تعزيز العمل العربي المشترك.
وقد التأم لهذا الغرض يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في الكويت جمع من وفود غرف التجارة العربية لمناقشة وصياغة التوصيات التي سترفع للقادة في مؤتمرهم القادم, حيث شارك مجلس الغرف السعودية تحت قيادة رئيسه النشط الشيخ صالح التركي بأكبر وفد ضمن الوفود المشاركة. كان الوفد السعودي شعلة من النشاط والحيوية بطريقة لافتة، وهي ثمرة فلسفة الشيخ صالح التركي، الذي كان حريصا على دعوة جميع رؤساء الغرف السعودية ونوابهم، إضافة إلى بعض المتخصصين من الاقتصاديين. فظهر الوفد بصورة مؤثرة ومشرفة تعكس قوة ومكانة الاقتصاد السعودي، حتى رأينا أعضاء مشاركين ربما لأول مرة من غرف مناطق: المخواة، الباحة، عرعر، وجازان، فضلا عن المدن الرئيسة.
عرض الوفد السعودي ورقة رائعة عن معوقات التجارة بين الدول العربية، قدمها أمين مجلس الغرف السعودية الدكتور فهد السلطان، الذي بث في نفوسنا شعورا بالفخر وهو يستعرض ورقته المتميزة بأسلوبه الممتع والجذاب ليكون نجم المتحدثين في ذلك اليوم، حيث اختتم كلمته بتذكير المشاركين بحكمة صينية - ربما جاءت لفتة ذكية منه تعبر عن احتمال بروز ثقافة الصين في العقود المقبلة - تقول الحكمة إذا هبت ريح عاصفة فالناس فريقان، فريق سيختبئ في الملاجئ وآخر سينصب الطواحين، والخيار أمامنا. وهي حكمة قريبة من قول الشاعر العربي: إذا هبت رياحك فاغتنمها. وربما كان في الأزمة المالية العالمية الخطيرة التي لم تنته تداعياتها بعد، فرصة ليعزز العرب من تعاونهم الاقتصادي ويوجهوا استثماراتهم نحو بلدانهم.
كان هدف المؤتمر هو تبني توصيات من أجل تفعيل وتعزيز العمل الاقتصادي العربي المشترك في مجالين محددين: هما منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى GAFTA، والسوق العربية المشتركة. ويأمل المؤتمرون أن يحزم القادة العرب أمرهم في مؤتمر القمة المقبل، ليوفروا مظلة سياسية ضرورية لتحقيق حلم العرب في قيام كيان اقتصادي يعزز عملهم المشترك.
والواقع أنه على الرغم من الصعوبات والعوائق الكثيرة التي صادفت وما زالت تصادف تحقيق هذا الحلم، إلا أن الخطوات التي اتخذت في السنوات العشر الأخيرة أظهرت نجاحا ملحوظا لهذه الجهود. فقد تطور حجم التجارة البينية من نحو 30 مليار دولار في عام 1998م إلى نحو 120 مليار دولار في عام 2007م. ومع ذلك فإن نسبة التجارة العربية البينية لم تتجاوز 10 في المائة من حجم تجارة العرب الكلية، وهي نسبة متواضعة إذا قورنت بنسبتها في الاتحاد الأوروبي التي بلغت 67 في المائة. وحتى هذه النسبة المتواضعة، فإن 60 في المائة منها تستأثر به في جانب الصادرات البينية ثلاث دول عربية فقط هي السعودية والإمارات وعُمان! وما زال اتجاه تجارة العرب بين بعضهم بعضا يتركز بين شريك أو شريكين فقط، سواء في جانب الصادرات أو الواردات! وتعد السعودية أكبر شريك في التجارة البينية سواء مع الدول العربية أو دول مجلس التعاون.
من الناحية الواقعية، ستبقى بالطبع المبادلات التجارية بين الدول العربية محدودة حتى لو أزيلت العوائق التجارية والتنظيمية كافة، لسبب جوهري بسيط يتمثل في تواضع وضآلة الإنتاج العربي وقلة تنوعه ! خاصة في أهم ثلاثة بنود تحتاجها وتستوردها الدول العربية وهي الآلات ومعدات النقل، والمنتجات الصناعية، والمنتجات الغذاء. ومع ذلك، لا ينبغي أن تقلل هذه الحقيقة من حاجة أمتنا للعمل الدءوب المخلص للتغلب على العوائق كافة التي تحد من نمو التجارة البينية بين الدول العربية فيما هو ممكن.
منهجيا، أعتقد أنه من الأصلح أن تركز الجهود على ربط مصالح الناس بعضهم ببعض من القاعدة، فتشابك هذه المصالح سيحثهم - كل في مجاله - للدفاع عن هذه المشروعات المشتركة وتنميتها. وربما لو ركزنا أولا على تحقيق التكامل الاقتصادي بين المناطق العربية المتجاورة لكان ذلك أفضل. وفي كل الأحوال، فإنه لا غنى عن الجهود الحكومية لتعضيد هذه المصالح من خلال سن القوانين التي تسهل انسياب التجارة والأموال بين الناس.
لدى العرب موارد ومقومات وفرص اقتصادية عظيمة، لكنهم يفتقرون إلى الرؤى والإرادات القادرة على استغلال هذه المزايا، فهل تكون القمة القادمة موعدا لإطلاق مبادرة اقتصادية تاريخية؟ عسى ولعل!