مَن سيغير نظام المال العالمي بمجموعة الـ 20؟
إن العالم أجمع يترقب القرارات التي ستتمخض عن اجتماع مجموعة دول الـ 20، الذي سيعقد في واشنطن منتصف الشهر الجاري، للخروج بحلول جذرية شافية ووافية للتعامل مع الأزمة المالية العالمية الحالية التي عصفت بالمقدرات المالية لعدد كبير من أسواق المال العالمية
أنظار العالم قاطبة تتجه باتجاه الولايات المتحدة، وبالتحديد تجاه واشنطن، التي ستحتضن فعاليات انعقاد قمة الـ 20 السبت المقبل، التي دعا إلى انعقادها الرئيس الأمريكي الحالي جورج دبليو بوش، للخروج بسيناريو مالي عالمي يعيد (توضيب) أو (عَمرة) أوضاع الاقتصاد العالمي، بما في ذلك أسواق المال العالمية، التي شهدت أخيراً سلسلة من الاضطرابات والاختلالات المالية، بسبب الأزمة المالية الأخيرة التي ألمت بأسواق المال العالمية بسبب أزمة الرهونات العقارية، التي انطلقت شرارتها من الولايات المتحدة.
من بين أبرز الأهداف الرئيسة، التي دعت إلى عقد تلك القمة، تدارس أسباب الأزمة المالية العالمية، وإيجاد الحلول المناسبة للتعامل معها، بما يكفل عدم تكرارها مستقبلا، ليتحقق عن ذلك الاستقرار في أداء الاقتصاد العالمي في ظل بيئة اقتصادية عالمية محفزة على النمو وخالية من الأزمات.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة الـ 20 قد تأسست في العاصمة الألمانية برلين عام 1999، في أعقاب الأزمة المالية التي ضربت دول شرق آسيا في النصف الثاني من التسعينيات الميلادية، التي يتألف أعضائها من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة، وكندا، فضلاً عن مجموعة دول الـ "بريك" (البرازيل، روسيا، الهند، والصين)، والأرجنتين، إندونيسيا، المكسيك، المملكة، جنوب إفريقيا، أستراليا، تركيا، كوريا الجنوبية، والاتحاد الأوربي ممثلا برئاسة المجلس الدوري والبنك المركزي الأوروبي، مع مشاركة كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
اجتماع مجموعة دول الـ 20 المرتقب انعقاده، كما أسلفت في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الجاري، سبقه انعقاد اجتماع تحضيري لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بالمجموعة نفسها، بدعوة من الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في مدينة سو باولو البرازيلية في 10 من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الجاري، لبحث جذور المشكلة المالية العالمية، والوقوف على سبل معالجتها تفادياً لتكرار حدوثها في المستقبل، من خلال رفع درجة الرقابة على المصارف العالمية، إضافة إلى تقوية الدور الرقابي لصندوق النقد على اقتصادات الدول المتقدمة وإعطاء الأولوية لتحسين المعايير الرقابية والإشرافية على المؤسسات المالية العالمية.
إلى جانب مطالبة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة الـ 20 في الاجتماع المذكور، بتقوية الرقابة على المؤسسات المالية العالمية بأنواعها المختلفة، من خلال الالتزام بتطبيق معايير الملاءة المالية وكفاية رأس المال وفق متطلبات لجنة بازل، يطالب كذلك عدد من المختصين أن يكون هناك دور أكبر لدول الاقتصادات الناشئة ودول الاقتصادات النامية في تنظيم وإدارة دفة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك المشاركة الفاعلة في صنع القرارات الاقتصادية العالمية المهمة، بحيث ينتج عن ذلك توازن بين قوى اقتصادات الدول الكبرى وقوى اقتصادات الدول الناهضة الصغيرة منها والكبيرة.
مجموعة دول الـ "بريك" التي يتألف أعضاؤها من البرازيل، روسيا، الهند، والصين، وتعد في الوقت الحاضر أكبر الاقتصادات الناشئة على مستوى العام، ويتوقع لها بحلول عام 2050 أن تكون أكبر مجموعة اقتصادية على مستوي العالم بحجم ناتج محلي إجمالي يصل إلى نحو 128.4 تريليون دولار أمريكي، تطالب هي الأخرى أن يكون لها دور أكبر في إعادة هيكلة النظام المالي العالمي، بما في ذلك اتخاذ موقف مشترك فيما يتعلق بإجراء إصلاحات لمؤسسات وصناديق مالية دولية، مثال صندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وغيرهما، بما يمنحها الأهمية الاقتصادية المطلوبة، ويحقق لها الوزن الاقتصادي المطلوب على مستوى العالم في التعامل مع المشكلات والأزمات المالية والاقتصادية العالمية المحتمل حدوثها في المستقبل.
العالم العربي يعلق الكثير من الآمال على مشاركة المملكة في الاجتماع المذكور، باعتبارها الدول العربية الوحيدة التي تم توجيه الدعوة إليها للمشاركة في ذلك الاجتماع، ليس كونها عضوا في تلك المجموعة فحسب، ولكن أيضاً كونها تمثل وزنا وثقلا اقتصاديا مهما على المستوى العالمي في صنع القرارات الاقتصادية، ومن هذا المنطلق يعول العالم العربي على المملكة أن تبلور موقفها الاقتصادي الثابت وتؤكد التطبيق والتفعيل والالتزام به مستقبلاً في إدارة الاقتصاد العالمي وعمل المؤسسات المالية، بالأسلوب الذي أكده مجلس الوزراء السعودي من خلال الالتزام بمراجعة أساليب الرقابة والمراقبة على عمل المصارف الدولية، وكذلك أسلوب عمل وهيكليات المؤسسات المالية العالمية بالشكل الذي يعكس واقع الاقتصاد العالمي اليوم.
كينيث روجوف أستاذ علوم الاقتصاد والتخطيط العام في جامعة هارفارد حالياً وكبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي (سابقاً)، أكد في مقال نشر له في جريدة "الاقتصادية" في العدد 5510، ضرورة إحداث تغيير في الدور الذي يمارسه في الوقت الحاضر صندوق النقد الدولي في الأزمة المالية الحالية، بحيث يضطلع الصندوق بدور الوسيط بين الجهات المقترضة والمقترضين في البلدان النامية، بحيث لا يعمل كبديل لجميع مصادر الإقراض الأخرى المتاحة، الأمر الذي يتطلب إدخال عديد من الإصلاحات على نظام عمل الصندوق، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تحسين الإدارة عن طريق تخفيض التمثيل الأوروبي وزيادة التمثيل الآسيوي، والتركيز على مهمة الصندوق في المراقبة والرصد بدلاً من العمل كمصدر مباشر لتوفير قروض الإنقاذ.
خلاصة القول، إن العالم أجمع يترقب القرارات التي ستتمخض عن اجتماع مجموعة دول الـ 20، الذي سيعقد في واشنطن منتصف الشهر الجاري، للخروج بحلول جذرية شافية ووافية للتعامل مع الأزمة المالية العالمية الحالية التي عصفت بالمقدرات المالية لعدد كبير من أسواق المال العالمية. كما أن العالم يتطلع إلى خروج المجتمعين بقرارات تعيد التوازن الاقتصادي لدول العالم بالعدالة والتوازن المطلوبين بين الدول الصناعية الكبرى واقتصادات الدول النامية والناشئة، بحيث يكون للدول الأخيرة دور بارز وملحوظ في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك النظام المالي بالشكل الذي يوفر مزيدا من الرقابة على التعاملات المالية، التي تتم داخل الأسواق المالية على مستوى العالم، إضافة إلى توفير مزيد من الشفافية والتنسيق وسرعة تبادل المعلومات بالأسلوب الذي يتحقق عنه في نهاية المطاف التوازن المطلوب بين القوى الاقتصادية المختلفة في العالم، بالقدر الكافي الذي يجنب العالم حدوث مشكلات اقتصادية وأزمات مالية مستقبلية محتملة، قد تعرقل وتيرة نموه واستقراره الاقتصادي المنشود، والله من وراء القصد.
مستشار وكاتب اقتصادي