ضحايا التأمين الصحي من السعوديين في القطاع الخاص

[email protected]

السعوديون العاملون في القطاع الخاص في وضع لا يحسدون عليه تأمينيا. فهم من جهة ليسوا من ضمن لائحة المستفيدين" المؤمن عليهم" حسب المادة الثانية من اللائحة التنفيذية لنظام الضمان الصحي التعاوني، حيث نصت على "أن يخضع للضمان الصحي " جميع الأشخاص غير السعوديين العاملين بأجر سواء لدى غيرهم أو لحساب أنفسهم دون اعتبار لمستوى دخولهم وطبيعة عملهم ومدة توظيفهم". ومن جهة أخرى يرون أقرانهم من غير السعوديين يتمتعون برعاية صحية شاملة. لا شك في أن معظم شركات القطاع الخاص مشكورة شملت جميع السعوديين الموظفين لديها في التغطية التأمينية، لكن هل ستستمر شركات القطاع الخاص على هذا النسق أم سيتم استثناء الموظفين السعوديين مستقبلا من أجل تقليل التكلفة التشغيلية خصوصا أن نظام الضمان الصحي يسمح لهم بذلك؟ وهل نتوقع مستقبلا أن تستمر الشركات بالتكرم بإضافة السعوديين من ضمن نطاق التغطية التأمينية التي تقدمها لموظفيها خصوصا مع توقع ارتفاع التكلفة العلاجية والتأمينية مستقبلا؟ وكيف ستتعامل شركات القطاع الخاص مع السعوديين ذوي الوظائف المحدودة المهارة أو أصحاب الوظائف العمالية مستقبلا؟ فمثلا موظف سنترال لديه 14 ولدا مسؤول عن والدته كما سيكلف الشركة من ناحية تأمينية؟ وهل ستكون تكلفة الموظف السعودي أعلى من الفائدة المرجوة من وراء تعيينه؟
لذا فإن استراتيجية تعيين الموظفين ستختلف مستقبلا خصوصا لدى الشركات ذات الدخل المحدود. فتكلفة التأمين الصحي للموظف على الشركة ستقاس تكلفتها قبل تعيينه خصوصا إذا كان الموظف من عائلة ممتدة( أب، أم، زوجة، عشرة أطفال). فكما هو معلوم أنه كلما زاد أفراد الأسرة زادت تكلفة الموظف على الشركة. فتعيين الموظفين وتحديد رواتبهم سيكون بعد دراسة تكلفتهم الحقيقية على الشركة والتي من أهمها تكلفتهم العلاجية. كما أنه من المعلوم أن هناك علاقة بين مستوى التعليم ومتوسط دخل الأسرة وعدد أفرادها. فكلما زاد المستوى التعليمي زاد مستوى الدخل و قل عدد أفراد الأسرة، وكلما قل مستوى التعليم قل مستوى الدخل زاد عدد أفراد الأسرة. لذا فإن أصحاب الوظائف العمالية والمحدودي المهارة ولديهم عدد كبير من الأبناء قد يواجهون صعوبة في التوظيف في القطاع الخاص بسبب التكلفة العالية التي سيشكلونها على دخل الشركة. كما أن الشركات لا تستطيع التميز ورفض توفر الرعاية الصحية لهم لما لذلك القرار من انعكاسات سلبية مرتبطة بعدم معاملة الموظفين على قدم المساواة. فقد طلب أحد مديري الشركات استشارتي في كيفية المساهمة في تقليل تكلفة التأمين الصحي حيث إنها بلغت أكثر من ستة ملايين ريال، بينما إرباح الشركة في حدود 80 مليونا؟ وعدد السعوديين لديه يشكلون الشريحة الأكبر؟.
للأسف إن نظام الضمان الصحي الحالي لم يتبن استراتيجيات واضحة تكفل الحد من ارتفاع تكلفة التأمين الصحي -كما أشرت في أكثر من مناسبة - مما يضخم حجم المشكلة مستقبلا. فإحدى الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن تكلفة الرعاية الصحية الخاصة بموظفي الشركات الأكثر من 500 موظف ارتفعت 6.1 في المائة لتبلغ 7523 دولارا لكل موظف عام 2006 (نفس معدل الزيادة لعام 2005.)، بينما بلغت نسبة الزيادة 7 في المائة عام 2006 للشركات التي يقل عدد موظفيها عن 500 موظف. أما عام 2004 فوفق دراسات أخرى ارتفعت تكلفة التأمين الصحي بنسبة 11.2 في المائة.
وزارة العمل تسعى حثيثا لدعم سعودة الوظائف في القطاع الخاص، لذا فإن دورها محوري لتسهيل توظيف المواطن ليس بقوة النظام فحسب بل بإزالة العوائق التي تحول دون توظيفهم بالشكل المطلوب. لقد سبق أن أشرت في مقال سابق إلى أن شركات القطاع الخاص إذا زادت عليها التكلفة التأمينية فإنها ستضطر إلى تعويض زيادة تكلفتها التشغيلية، إما بالاستقطاع من رواتب الموظفين أو على أقل تقدير الحد من الميزات الوظيفية الأخرى. فتكلفة التأمين الصحي ستعتبر هاجسا يقلق الموظفين خصوصا موظفي القطاع الخاص بل إن تكلفة التأمين الصحي ستكون من أعلى التكاليف التي سيواجهها الموظفون مستقبلا.
فلا نتوقع في حالة تولي شركات القطاع الخاص دفع القسط التأميني عن المواطنين والمقيمين نكون بذلك قد ضمنا حصول المواطنين العاملين في القطاع الخاص على رعاية صحية ذات جودة عالية. فالقطاع الخاص يبحث عن الربحية فإذا زادت تكلفة الرعاية الصحية عليه فإنها ستضطر لموازنة التكاليف مع الأرباح. فشركات القطاع الخاص ستكون بين خيارات أحلاها مرة من أجل تعويض ثقل زيادة التكلفة التشغيلية عليها. كما أن هذا التوجه يتعارض مع النظام الأساسي للحكم والذي تنص المادة 31 على أن الدولة تعنى بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن. فحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تدعم كل توجه يضمن تحقيق الرفاهية لكل المواطنين. كما أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تضع المواطن في قلب أي معادلة تنظيمية. في الجانب الآخر من الممكن جدا أن يستثمر التأمين الصحي لدعم السعودة إذا تم التعامل مع هذا الموضع باحترافية عالية.
لذا فإنني أطالب معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي بدراسة أثر التأمين الصحي على السعودة، فمن حق الموطن العامل في القطاع الخاص أن يتمتع بتغطية تأمينية، كما أنه من حق شركات القطاع الخاص تقليل التكلفة التشغيلية. فمجلس الضمان الصحي ما زال يغرد خارج السرب خصوصا في تبني سياسات واضحة لحماية المواطن من ارتفاع تكلفة التأمين الصحي فضلا عن تبني استراتيجيات تدعم المواطنين العاملين في القطاع الخاص. وما زلت أخشى أن يكون التأمين الصحي بمثابة المسمار الذي يدق في نعش نجاح سعودة الوظائف والحيلولة دون حصول موظفي القطاع الخاص على جزء من الرفاهية التي تقدمها مملكة الإنسانية لمواطنيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي