كافح «الإرهاب» بمنظومة للأمن الفكري

كافح «الإرهاب» بمنظومة للأمن الفكري
كافح «الإرهاب» بمنظومة للأمن الفكري

"إن الأمن الفكري هو جزء من منظومة الأمن العام في المجتمع، بل هو ركيزة كل أمن، وأساس كل استقرار"، بهذه الكلمات بنى الأمير نايف بن عبد العزيز استراتيجيته الخاصة في مواجهة أفكار الفئة الضالة التي حظيت باهتمام كبير من قِبل حكومات ومنظمات حقوقية في كثير من دول العالم للاستفادة من هذه التجربة المتميزة ونقلها إلى بلدانهم.

وقد أكد الأمير نايف بن عبد العزيز، في كلمات سابقة، أن الأمن الفكري أصبح في واقعنا المعاصر إحدى الركائز الأساسية لكيان الأمة، ولم تعد المخاطر المهددة له مجرد تنظير أو توقعات، بل باتت حقيقة تستوجب مواجهتها والإلمام الواسع والدقيق بها ووضع الخطط والاستراتيجيات العلمية للتعامل معها والحد من آثارها وتأثيراتها الآنية والمستقبلية.

وبيّن الأمير نايف، أن السعودية كانت في مقدمة الدول التي تضررت من اختراق سياج الأمن الفكري لبعض أبنائها ممن وقعوا تحت تأثير الفكر الضال المخالف للفطرة السليمة ولتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف؛ مما جعلهم - وبكل أسف - يقومون بأعمال التخريب والإفساد في الأرض من قتل وتفجير وتدمير للممتلكات وعدوان على الأنفس المعصومة وانتهاك لحرمات الدين ومصالح العباد.

وقال ولي العهد: "إن التحديات التي تواجه الأمن الفكري للأمة عديدة ومتعددة الخطر والتأثير؛ مما يجعل الجهد في سبيل مواجهتها يتجه إلى استخدام المنهج العلمي في دراسة واقع هذا الأمن وتقويمه في ضوء المعطيات العلمية التي تساعدنا على الوقوف على طبيعته وتحديد مقوماته الأساسية وحصر العوامل المؤثرة فيه وصولا إلى تحصينه من أي اختراق - لا سمح الله - وبذلك يمكن القول إن استخدام المنهج العلمي هو السبيل الأمثل لترسيخ مفهوم الأمن الفكري وتعزيز مقوماته ومواجهة المخاطر المحيطة به".

#2#

وتعد الحاجة إلى الأمن الفكري كالحاجة إلى الأمن بوصفه العام، سواء على النفس وعلى المال وغيرهما من الضرورات الخمس، فهو مطلب ملحٌ؛ إذ تحقيق الأمن الفكري من مقاصد الشريعة الإسلامية التي كفلت حماية العقل الإنساني والمحافظة عليه باعتباره من الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة إلا بها؛ ما يتطلب بذل كل جهد ممكن لتحقيق الأمن الفكري لدى شرائح المجتمع، وبصورة خاصة لدى الشباب الذين تشير التقارير الأمنية وبيانات وزارة الداخلية عن المطلوبين أمنيا والمقبوض عليهم من أفراد الفئة الضالة إلى أنهم يمثلون الرقم الأكبر.

ويتفق الجميع على أن الانحراف الفكري من أهم مهددات الأمن بمفهومه الشامل، خصوصا إذا جاهَر المنحرف فكريا بذلك أو حاول فرضه على الآخرين بالقوة والترهيب، أو تطور انحرافه الفكري إلى أعمال وسلوكيات تهدد الأمن والاستقرار، وفي مقدمتها الإرهاب؛ ولذلك تظهر الحاجة الكبيرة إلى الوقاية منه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهته وعلاجه، وذلك لن يتأتى إلا بتحقيق الأمن الفكري المتمثل في الاطمئنان إلى سلامة الفكر من الانحرافات، التي تُشكل تهديدا للأمن الوطني أو أحد مقوماته الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية.

ويرى المختصون أن التحدي المعاصر في هذه المسألة يكمن في كيفية تحصين المجتمع وأفراده من الأفكار الضالة والمناهج المنحرفة في هذا الزمن ذي الأبعاد الدولية والمؤثرات المتعددة، والانفتاح السلبي أحيانا بين الجماعات والشعوب، وتبادل الأفكار والآراء، وليس من ذلك الانفتاح الإيجابي الذي تجلبه التعددية في عرض الثقافات البشرية، ونشر الحق الذي يوافق الفطرة والسلوك الإنساني القويم، والذي لا يكون منه "التعددية الفكرية" الفاسدة أو الانفلات الثقافي والفكري؛ إذْ لا يستطيع أي نظام أمني أن يقوم بعمله بكفاءة واقتدار دون توافر نظام فكري يستمد من خلاله شرعيته، وتحقيق متطلباته الأمنية، سواء للفرد أو المجتمع أو في علاقته بالمجتمعات الأخرى، كما لا تتشابه وظائف أي نظام أمني بصورة أو بأخرى.

ويجمع المختصون والمعنيون على أنّ مسؤولية الأمن الفكري، والحفاظ عليه، مسؤولية مشتركة بين مؤسسات المجتمع وأفراده كافة، فالأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمسجد، وغيرها، كلٌ له جهدُه المطالَب به، والمسؤول عنه، ويجب ألا تكون هذه القضية من القضايا التي تقبل المزايدة وإخضاعها لحسابات شخصية ضيِّقة، ومصالح ذاتية تعكس الأنانية البغيضة.

وبين أمواج هذا الصراع الثقافي والاضطرابات التي تسود العالم نجد أن المملكة تزخر - ولله الحمد والمنَّة - بأسباب ومقومات جعلها الله من أسباب تحقيق الاستقرار، وترسيخ أمنها الفكري، ومن هذه الأسباب المكانة الإسلامية لبلادنا، وريادتها العالمية، وتمسكها بتحكيم الشريعة، وجعل الكتاب والسنَّة مصدر التشريع والحاكم على أنظمتها مع وجود أجهزة شرعية يقوم عليها نخبة من أهل العلم والفضل.

ومن هذه الجهود التي بذلت في هذا المجال وحظيت بدعم واهتمام من قبل الأمير نايف بن عبد العزيز هو اقتراحه بتخصيص كرسي لدراسات الأمن الفكري في جامعة الملك سعود؛ وذلك إيمانا منه بأن الأمن الفكري يأتي قبل الأمن الحسي، ورغبة منه في أن يسهم هذا الكرسي في تطوير البحوث والدراسات في مجال الأمن الفكري بطريقة علمية منهجية، وتفعيلا لمبدأ أن البحث العلمي كمقوم من أهم مقومات التنمية المستدامة وعامل من أهم عوامل الرقي والنهوض.

ويهدف كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري إلى: الإسهام في تنمية الاهتمام بالأمن الفكري على الصعد كافة، إنجاز دراسات علمية حول الظواهر والممارسات المنافية لمفهوم الأمن الفكري، تقديم حلول عملية قابلة للتطبيق لمعالجة الأفكار المنحرفة، تقويم الدراسات والمشاريع والبرامج المتصلة بالأمن الفكري، تنمية وتطوير قدرات الباحثين وطلاب الدراسات العليا في المجال نفسه.

وفي مجال آخر، وافق على تأسيس مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، بفكرة من الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، ومن خلال دعمه وتوجيهاته الكريمة لجهات الاختصاص في وزارة الداخلية بتشكيل اللجان الشرعية من أصحاب الفضيلة المشايخ وبمشاركة من العلماء الشرعيين والمستشارين النفسيين والاجتماعيين.

وقد بدأ المركز عمله في عام 2006 لاستيعاب المتورّطين في الفكر الضال وإعادة إدماجهم في المجتمع وتصحيح مفاهيمهم عن طريق الاستفادة من برامج المركز المختلفة والوصول بالمستفيد منه لمستوى فكري آمن ومتوازن له ولمجتمعه، ومساعدة المستفيد منه أيضا على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي قد تواجهه بعد إكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه، كما تساعد برامج المركز من غرر بهم لإدراك أخطائهم والعودة لجادة الصواب، والاندماج بالمجتمع مواطنين صالحين ومنتجين لصالحهم وأسرهم ووطنهم.

ويضم المركز مجموعة من الخبراء والمستشارين النفسيين والاجتماعيين، إضافة إلى علماء دين وشريعة فيما يعرف بلجنة المناصحة، وكانت لجنة المناصحة قد تشكلت قبل المركز بسنتين، ثم تمت إعادة هيكلتها في شكل مركز رسمي، كما يمثل برنامج المناصحة المرحلة الإجرائية الأخيرة لإطلاق سراح الموقوفين لدى الجهات الأمنية بصفة نهائية أو بصفة مشروطة.

وتعد تجربة "المناصحة" في المملكة العربية السعودية تجربة فريدة متميزة، استطاعت أن تحقق نجاحا عالميا، حيث أطلق على مدى خمسة أعوام منذ إنشائه 22 دفعة من العائدين من جوانتانامو ومناطق الصراع الأخرى، بل وحظيت باهتمام كبير من قِبل حكومات ومنظمات حقوقية في كثير من دول العالم للاستفادة من هذه التجربة المتميزة ونقلها إلى بلدانهم، وهذا ما أكده التقرير الصادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، الذي أعده الباحث كريستوفر بوشيك وأطلق على برامج المناصحة والتأهيل "استراتيجية السعودية اللينة، والقوة الناعمة" وذكر أسماء دول قد استفادت من تجربة المملكة بعد أن نقلتها إليها في برامج مشابهة.

الأكثر قراءة