أسرار الهجرة الغامضة!!

ألم يسبق لأحدكم أن آذاه (هر) وحاول التخلص منه، فوضعه داخل كيس، حيث لا يتمكن من الرؤية ورماه على بعد مئات الأمتار من بيته؟ وبعد فترة وجيزة يجده عائدا أدراجه إلى البيت الذي ألفه! أو لم يحدث أن بعت طائرا مثل الحمام لشخص في مدينة أخرى وفجأة تجده أمامك؟ فكيف عرفت تلك المخلوقات طريقها إلى بيوتها وقطعت المسافات للعودة؟
مثل هذه الأسئلة وغيرها تدور في رؤوسنا، ونحن نشاهد أسراب الطيور المهاجرة التي كان أجدادنا يسمونها (النزل) أي التي تنزل من السماء، فلم يكونوا يتصورون أن تقطع هذه الطيور آلاف الكيلومترات لتصل إلينا ومثلها لتعود لموطنها الأصلي.
ففي كل خريف تنطلق ملايين الطيور في هجرات جماعية أو منفردة من نصف الكرة الشمالي إلى الجنوبي في رحلة تعتبر من الظواهر العجيبة! بناء على نداء داخلي أرجعه بعض العلماء إلى الساعة البيولوجية للطيور، وعندما يحل موسم الهجرة تقوم الطيور المهاجرة بتغيير ريشها وتقبل على الطعام لتخزن طاقة تعينها على مشاق الرحلة، كما أن الطيور تملك أكبر كتلة عضلية، فما الذي يدعوها للقيام بهذه الرحلة الدقيقة والشاقة؟ هذا السؤال لم يجد العلماء له جوابا شافيا رغم مئات البحوث التي أجريت على مر السنين!
باراديزيا.. طائر معروف يهاجر من أقصى شمال سيبيريا إلى شواطئ القطب الجنوبي، ثم يعود في رحلة بين قطبي الكرة الأرضية، يقطع فيها 400 ألف كيلومتر وتستغرق ثمانية أشهر.. فهل يكون الهدف من هذه الرحلة البحث عن الطقس المناسب فقط أم الطعام؟ فإذا كان كذلك، فلماذا يبقى نصف أنواع الطيور تقريبا من دون هجرة متكيفة مع أقسى الظروف؟ وبماذا نفسر موت بعض الطيور المهاجرة من الجوع والبرد في أماكن تناسلها لأن وقت هجرتها لم يحن بعد؟!
وكما أن سبب الهجرة غير معروف كذلك سر تلك الدقة التي تسافر بها لم تتضح بعد، ولكن وجد لها العلماء بعض التفسيرات، مثل استخدام الطيور للشمس كبوصلة لتحديد مساراتها، فالحمام كما يقول (وليام كينون): ''لا يكفيه أن يختار زاوية ثابتة بالنسبة للشمس، بل يجب أن يغير هذه الزاوية بنسبة 15 درجة كل ساعة، وهو معدل تغير الشمس أثناء النهار، فانظر إلى الحساسية العالية بالوقت والحسابات الدقيقة التي تجريها الطيور في زمن قياسي، وهذه البوصلة الشمسية تستخدمها الحشرات مثل النمل والنحل والعناكب لتعود إلى بيوتها''.
أما التفسير الآخر، فهو أن الطيور والحشرات ترى السماء كشرائط مضيئة ومعتمة وليست زرقاء ووحدة واحدة كما نراها نحن، وهذا يمكنها من تحديد موقع الشمس حتى في وجود الغيوم.
الطيور التي تهاجر ليلا تهتدي بالنجوم، وهذا أصعب من الاهتداء بالشمس لأن النجوم تظهر في أوقات مختلفة من الليل، كما أن مواقعها وأبراجها تتبدل كل فترة من الزمن، ورغم ذلك تستطيع الطيور قراءة هذه التغيرات والعودة للوطن، وهذا ما أثبته العالم الألماني (ساوير) عندما استخدم قبة سماوية بنجومها لدراسة تأثير التغيير في مواقعها على طائر (المغني) الذي يهاجر وحيدا.
أما أهم اكتشاف فهو أن الطيور ترسم خريطة مغناطيسية للأرض تساعدها على تحديد الأماكن والسفر الدائم. ولا ننسى حاسة الشم التي تتميز بها بعض الطيور والكائنات الحية مثل حمام الزاجل.
إذاً ليس هناك تفسير واحد، بل عدة تفاسير ووسائل لهذه الغريزة الوراثية اللاإرادية، وننتظر معا المزيد من الدراسات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي