«العشرين».. الطريق بين واشنطن وسيئول سالك رغم «المنحدرات»

«العشرين».. الطريق بين واشنطن وسيئول سالك رغم «المنحدرات»

تعهد قادة مجموعة العشرين للاقتصادات الصناعية واقتصادات الأسواق الصاعدة في قمة بيتسبرج عام 2009، بالعمل معا لضمان التعافي الدائم والنمو القوي والقابل للاستمرار على المدى المتوسط. ولتحقيق هذه الغاية أطلقوا ''إطار النمو القوى والمتوازن على أساس قابل للاستمرار''. ويرتكز هذا الإطار على عملية متعددة الأطراف تحدد بلدان مجموعة العشرين بموجبها أهداف الاقتصاد العالمي والسياسات اللازمة لتحقيقها. وقد تعهد أعضاء المجموعة أيضا بإجراء ''تقييم متبادل'' لمدى تقدمهم نحو التوصل إلى هذه الأهداف المشتركة ـــ وهو ما يتم من خلال ''عملية التقييم المتبادل''. وبناء على طلب مجموعة العشرين، يجري صندوق النقد الدولي التحليل الفني اللازم لتقييم مدى الاتساق بين سياسات البلدان الأعضاء وما إذا كان بإمكانها مجتمعة تحقيق أهداف مجموعة العشرين. وتركز صحيفة ''الوقائع'' الصادرة عن الصندوق على هذه الخطوات الإجرائية التي تتم من خلالها عملية التقييم المتبادل.
كانت الإجراءات الجماعية التي اتخذتها مجموعة العشرين أثناء الأزمة المالية العالمية عنصرا حيويا في تجنب وقوع انهيار مالي كارثي ونوبة أخرى من ''الكساد الكبير''، وقد أمكن تجنب السيناريو الأسوأ بفضل تضافر الجهود واتخاذ سياسات استثنائية على مستوى العالم ـ بما في ذلك تنشيط الاقتصاد الكلي والتدخل لإنقاذ القطاع المالي.
واستثمارا لهذا النجاح، تعهد قادة المجموعة في قمتهم التي انعقدت في بيتسبرج في عام 2009 بالعمل معا لضمان تحقيق تعافٍ دائم ومستقبل اقتصادي مشرق. ''نلتزم بإنشاء عملية نحدد بموجبها أهدافنا، واقتراح سياسات لتحقيقها، والتعاون في تقييم مدى تقدمنا في هذا المسار.. وسنعمل معا لضمان توافق سياساتنا المالية العامة والنقدية والتجارية والهيكلية مجتمعة مع هدف إرساء النمو على مسارات أكثر توازنا واستمرارية.. ولن يتحقق النجاح لهذه العملية إلا إذا كانت مدعمة بتحليل لسياساتنا يقوم على أساس من الصراحة والمساواة والتوازن''. ولتحقيق هذا الهدف، أطلق القادة إطار تحقيق نمو قوي ومتوازن على أساس قابل للاستمرار. وتتمثل الركيزة التي يقوم عليها هذا الإطار في عملية متعددة الأطراف تحدد بلدان مجموعة العشرين بموجبها أهداف الاقتصاد العالمي والسياسات اللازمة لتحقيقها. وقد تعهد القادة أيضا بإجراء ''تقييم متبادل'' لمدى تقدمهم في تحقيق هذه الأهداف المشتركة ـــ من خلال ''عملية التقييم المتبادل'' MAP .

مرشد لإدارة دفة التعافي العالمي
تمثل ''عملية التقييم المتبادل'' منهجا جديدا للتعاون في مجال السياسات، تبلورت فكرته لدى أعضاء مجموعة العشرين المنشئة له. وقد حدد قادة المجموعة فحوى هذه المبادرة وسياقها العام، وهي تهدف إلى التأكد من أن الإجراءات الجماعية على مستوى السياسات ستعود بالنفع على الجميع. وعلى غرار أي مبادرة جديدة، ستكتمل ملامح ''عملية التقييم المتبادل'' بمرور الوقت، وغالبا من خلال التعلم بالممارسة.
وكانت مجموعة العشرين قد طلبت إلى صندوق النقد الدولي تزويدها بالتحليل الفني اللازم لتقييم مدى الاتساق بين سياسات البلدان الأعضاء، وما إذا كان بإمكانها مجتمعة تحقيق أهداف المجموعة. وطلبت المجموعة أن يقوم الصندوق بما يلي على وجه التحديد: (1) تحليل مدى الاتساق بين أطر سياسات مجموعة العشرين القومية والإقليمية، (2) وضع تحليل استشرافي لما إذا كانت السياسات التي ينتهجها كل بلد في المجموعة تتوافق مجتمعة مع هدف إرساء الاقتصاد العالمي على مسارات أكثر توازنا واستمرارية. وطلبت المجموعة أن يلتمس الصندوق آراء مؤسسات دولية أخرى أثناء أدائه لهذه المهمة بغية استكمال تفاصيل التوصيات في مجالات معينة منها القطاع المالي، وسوق المنتجات والعمل، والنشاط التجاري. وقامت مجموعة العمل المنبثقة عن مجموعة العشرين والمعنية بعملية التقييم المتبادل ـــ برئاسة كندا والهند ـــ بمساعدة مندوبي مجموعة العشرين في تقديم الإرشاد اللازم للصندوق والمنظمات الأخرى بشأن التحليل الفني، وذلك في كل مرحلة من مراحل العملية.

من بيتسبرج إلى تورونتو
دعا قادة مجموعة العشرين في قمة بيتسبرج إلى اعتماد الخطوات الثلاث الأساسية التالية كركيزة تقوم عليها المرحلة الأولى من عملية التقييم المتبادل:
الأطر المجمعة لسياسات أعضاء مجموعة العشرين واقتصاداتهم الكلية: يتبادل كل أعضاء مجموعة العشرين المعلومات ـــ فيما بينهم ومع الصندوق ـــ حول خطط السياسات والأداء المتوقع لاقتصاداتهم على مدار السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة. ثم يقوم الصندوق بتجميع المعلومات القُطرية من واقع المعلومات التي يقدمها الأعضاء كل على حدة، بهدف دراسة الانعكاسات على المستوى العالمي. وفي هذا السياق، يستمد الصندوق مدخلات من المنظمات الدولية الأخرى، ومنها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي OECD، فيما يتعلق بالإصلاحات الهيكلية، ومنظمة العمل الدولية فيما يتعلق بسياسات سوق العمل، ومنظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بالسياسات التجارية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) حسب مقتضى الحال. ويقدم البنك الدولي المشورة بشأن التقدم في تشجيع التنمية والحد من الفقر في إطار العمل على استعادة توازن النمو العالمي.
تقييم ما إذا كانت سياسات الأعضاء هي المطلوبة لتحقيق هدف المجموعة: يقوم الصندوق بمعالجة قضايا الاتساق في البيانات التي تقدمها البلدان منفردة، ثم يجري تقييما لما إذا كانت هذه السياسات تتسق مع هدف مجموعة العشرين المتمثل في تحقيق نمو قوي ومستقر ومتوازن. وتشكل نتائج هذا التحليل ''سيناريو حالة الأساس'' التي يقدم الصندوق تقريرا بشأنها للمجموعة. وتعتبر سياسات البلدان المختلفة معطيات ثابتة في هذه المرحلة، دون تقييم من جانب الصندوق لجدواها أو سلامة توقيتها أو مدى فعاليتها.

تقييم سيناريوهات السياسات المختلفة
بعد أن درست مجموعة العشرين سيناريو حالة الأساس، أجرى الصندوق تحليلا شمل السيناريوهات المختلفة للسياسات الممكنة*، بالتعاون الوثيق مع مجموعة العمل المنبثقة عن مجموعة العشرين. ومن أهم أهداف هذا التحليل توضيح كيفية تحسين النتائج الاقتصادية عن طريق الإجراءات الجماعية التي يمكن أن تتخذها البلدان الأعضاء في المجموعة ـــ وهو ما يتبين في ''سيناريو التطورات الإيجابية''. كذلك يجري الصندوق تقييما يرتكز على احتمال تحقق ''سيناريو التطورات السلبية''، ويتم فيه تقييم ما يمكن أن يحدث إذا ما تحققت المخاطر المحددة في سيناريو حالة الأساس.
الطريق من تورنتو إلى سيئول
أهم ما يُستَخلَص من عملية التقييم المتبادل في مرحلتها الأولى هو أن اقتصادات مجموعة العشرين تمكنت من زيادة النمو وإنشاء المزيد من الوظائف والحد من الفقر على مستوى العالم بفضل ما انتهجته من سياسات تعاونية دقيقة التصميم. ونتيجة لذلك، تعهد قادة المجموعة في قمة تورونتو باتخاذ إجراءات قوية من خلال السياسات تكفل الوصول بالاقتصاد العالمي إلى ''سيناريو التطورات الإيجابية''. وأدى ذلك إلى المرحلة الثانية في عملية التقييم المتبادل، والتي اختُتِمَت على المستوى القُطْري والإقليمي. وفي قمة سيئول، حدد كل بلد من أعضاء مجموعة العشرين إجراءات السياسة التي يعتزم اتخاذها للمساهمة في تحقيق أهداف النمو التي حددها القادة. ومن المقرر أن تعقد القمة التالية لقادة مجموعة العشرين في فرنسا في عام 2011.

* المصدر: صندوق النقد الدولي

الأكثر قراءة