Author

الكنيسة السويدية تقاتل الاحتلال الإسرائيلي

|
أستاذ جامعي ـ السويد
لقد غادر معظم السويديين مسيحيتهم منذ عقود وينأون بأنفسهم عن الممارسات الكنسية والدينية، ولهذا أصبحت الكنائس في السويد عبئا على ميزانية الكنسية لانقطاع المصلين, ما أثر كثيرا في الواردات المالية لترميمها وحفظها. بيد أن كثيرا من السويديين لا يزال على علاقة حميمة بالكنيسة كمؤسسة وليس كدين, والسبب في ذلك يعود إلى الجهد الرائع الذي بذلته الكنيسة السويدية كي تصلح نفسها وتعيد النظر في كثير من ممارساتها كي تكون بمستوى العصر الذي تعيش فيه السويد كدولة ومجتمع. ومما تعلمته الكنيسة من المجتمع هو ''ثقافة الأعنف'' (انظر مقال الكاتب الأسبوعي في صفحة الناس (29) وكيفية ممارستها وتطبيقها على أرض الواقع. وصارت الكنيسة التي كانت في القرون الماضية تحرق النساء وهن أحياء بتهمة السحر وتضطهد اليهود بقسوة وتجبي الضرائب مثل أي طاغية في التاريخ مثالا تحتذي بها كنائس أخرى وترى فيها منظمات حقوق الإنسان نموذجا. وفيها من الشفافية المالية والإدارية ما تفتقده معظم الكنائس الأخرى وباعها في مناهضة العنف من أي مصدر كان صار قدوة للآخرين ولها سجل مشرف في الأعمال الخيرية لا سيما في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولهذا لم يقطع السويديون علاقتهم المادية مع كنيستهم, حيث تظهر الإحصائيات أن أغلبيتهم لا يزالون يدفعون وعن طيب خاطر الضريبة الكنسية الاختيارية البالغة 1 في المائة من دخل الفرد السنوي. وينتمي اسميا أكثر من 90 في المائة من السويديين للكنيسة التي تتبع المذهب البروتستنتي ولا تعترف بسلطة بابا روما الكاثوليكي وهي على خلاف عقائدي كبير معه. ولنعود إلى صلب الموضوع بعد هذه المقدمة الوجيزة ونرى كيف أن الكنيسة السويدية شنت هجوما على إسرائيل استنادا إلى ''ثقافة الأعنف'' التي تؤمن بها, وكيف أنها ربحت المعركة دون خسائر وكيف أن انتصارها كان نصرا للفلسطينيين المظلومين. تدير الكنيسة السويدية منظمة دياكونيا, وهي منظمة خيرية غير حكومية تتعاون مع أكثر من 400 شريك في 30 بلدا. وهي تعمل ضمن نطاق الكنيسة السويدية لخلق عالم خال من المجاعة والفقر والاضطهاد وتبذل جهودا حثيثة للتأثير في الرأي العام في السويد بالتعاون مع شركائها حول العالم. و''ديكونيا'' لها علاقات تعاون وثيقة مع منظمة سويدووج, وهي منظمة سويدية غير حكومية أيضا تراقب عمل وتجارة الشركات السويدية, لا سيما في العالم الثالث للتحقق من أنها تطبق الأخلاق والثقافة السويدية في أعمالها التجارية. وفي عام 2008 نشرت المنظمتان معا تقريرا من 50 صفحة يفضح شركة سويدية عملاقة لكونها فتحت فرعا لها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. والشركة هي ''اسّا أبلوي'', الرائدة في العالم في صناعة الأقفال. وقد بلغت مبيعاتها في الأشهر الستة من هذا العام أكثر من ملياري دولار بزيادة 5 في المائة على العام الماضي رغم الأزمة المالية الحالية. وعلامة الشركة التجارية موجودة على معظم الأقفال في السويد وأوروبا وأمريكا. وأرادت من وجودها في الأراضي الفلسطينية المحتلة الاستفادة من الإعفاءات الجمركية والامتيازات التي تمنحها إسرائيل لكل شركة أجنبية توافق على العمل في مستوطناتها في الأراضي المحتلة. وفور صدوره صار التقرير مادة للصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة وأثار صدمة شعبية لأنه وضع النقاط على الحروف ليس بالنسبة إلى شركة اسّا أبلوي فقط ولكن فيما يخص الأعمال والممارسات الإسرائيلية غير القانونية والمخالفة بشكل صريح لثقافة الأعنف التي تؤمن بها السويد. ولم تمض ساعات على نشر التقرير حتى أصدرت الشركة بيانا تعتذر فيه من الشعب السويدي وتلوم نفسها على هذا الخطأ, وكيف أن الأمر لم يجر بحثه داخليا في الشركة طوال السنوات الثماني من عمر المصنع في المستعمرة الإسرائيلية. وكي تخفف من غضب الكنيسة أوقفت الشركة العمل في المصنع وفككته. وكان للتقرير أثر بالغ على شركاء الكنيسة في العالم حيث بدأوا هم أيضا بمراقبة الشركات في بلدانهم مثل مجلس كنائس جنوب إفريقيا والكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة وكنائس بروتستنتية أخرى كثيرة في هولندا وألمانيا ودول أوروبية أخرى. إسرائيل قد تتحمل حربا ضروسا بالدبابات والطائرات والصواريخ ولكنها أضعف ما تكون عندما تتم تعريتها من قبل بلد مثل السويد إذ عندها تظهر أمام العالم أنها ليست الحمل الوديع ضمن قطعان من الذئاب, كما تقول بل العكس صحيح. وهذا ما تخشاه إسرائيل. ومعركة الصحافة والكنيسة السويدية مع إسرائيل تظهر أن هناك أسلحة كثيرة لم يقم العرب والفلسطينيون منهم خصوصا باستخدامها. وعندما أجريت بحثا من خلال ''جوجل'' لتقرير الكنيسة السويدية لم ألحظ له ذكرا أو ترجمة بالعربية. وآمل ألا أكون محقا إلى أنني لم أجد أنه قد جرى تناوله من قبل أي وسيلة إعلامية عربية بينما هناك عشرات لا بل مئات الصفحات عن الحادثة بالإنجليزية ولغات أخرى، وقد وضعت الكنيسة السويدية تقريرها على شبكة الإنترنت وبعدة لغات.
إنشرها