نقص المستودعات أزمة تؤرق التجارة الإلكترونية عالميا .. مسار الازدهار مهدد

نقص المستودعات أزمة تؤرق التجارة الإلكترونية عالميا .. مسار الازدهار مهدد
نقص المستودعات أزمة تؤرق التجارة الإلكترونية عالميا .. مسار الازدهار مهدد

يحذر الخبراء من مواجهة التجارة الإلكترونية في بريطانيا أوقاتا صعبة في الفترة المقبلة، منبع تلك الصعوبات لا يعود إلى نقص الطلب أو تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، أو الابتعاد عن التبضع أو التسوق عبر مواقع الإنترنت، وإنما سبب المشكلة يعود إلى أن مساحة المستودعات التي تقوم شركات التجارة الإلكترونية بتخزين بضائعها فيها تكاد تنفد.
ومع نمو التجارة الإلكترونية وأزمة سلاسل التوريد التي تدفع الشركات إلى تخزين مزيد من البضائع أكثر من المعتاد، فإن شركات التجارة الإلكترونية تواجه مشكلة حقيقية في إيجاد مساحات أو أماكن كافية لتخزين ما تقوم ببيعه من سلع ومنتجات.
الأزمة لا تخص المملكة المتحدة فحسب، بل تعد ظاهرة عالمية بامتياز، فزيادة مخزونات التجارة في الولايات المتحدة بنسبة 5 في المائة فقط تتطلب ما يصل إلى 46 مليون متر مربع من المستودعات الإضافية، أي ما يقدر بأكثر من ثلاثة أرباع مساحة مانهاتن تقريبا.
وتكمن المشكلة في أن المستودعات المستخدمة في عمليات التخزين من قبل شركات التجارة الإلكترونية على غرار أمازون وشركات أخرى تواجه نقص المساحة المتاحة لعمليات التخزين وأيضا نقصا في عدد عمال المستودعات، إذ يعرض على الموظفين في بعض البلدان زيادات في الأجور بنسبة 30 في المائة، وبالطبع تزداد المشكلة حدة في أوقات المناسبات والأعياد، حيث يتزايد الطلب على السلع والمنتجات وتتزايد معه الحاجة إلى عمليات تخزين أكبر وأوسع نطاقا.
تشير الأرقام إلى أن الشركات الأوروبية العاملة في مجال التجارة الإلكترونية استأجرت في عام 2020 مساحة لوجستية جديدة أكبر بنسبة 16 في المائة مقارنة بعام 2019، وفي الولايات المتحدة ارتفعت تلك النسبة إلى 21 في المائة، أما في القارة الآسيوية فقفزت بمعدل 32 في المائة، وحاليا فإن واحدا من كل أربعة عقود إيجار توقع في بلدان أوروبا الغربية - حيث تزدهر التجارة الإلكترونية – يرتبط بشركة ما من شركات التجارة الإلكترونية، وفي الصين يبلغ المعدل واحدا من كل ثلاثة عقود.
من جانبه، يرى إم. يوهان الخبير في مجال التسويق الإلكتروني، أن مشكلة نقص القدرة التخزينية وعدم كفاية المستودعات يمكن أن تؤثر في مسار الازدهار الراهن في التجارة الإلكترونية في بعض البلدان المتقدمة على الأقل.
وقال لـ"الاقتصادية": "إن جائحة كورونا أجبرت المستهلكين على تغيير عادات التسوق الخاصة بهم، فقبل الوباء كانت التجارة الإلكترونية منحصرة إلى حد كبير في مجال الكماليات، لكن الوباء أدى إلى قيام المستهلكين بشراء احتياجاتهم الضرورية أيضا من الإنترنت، وهذا التوسع في الطلب يتطلب زيادة المساحات المخصصة للتخزين، لكن الوباء من جانب آخر أودى بشركات التخزين والمستودعات العملاقة إلى تأخير الاستثمار في رقمنة وأتمتة عديد من المستودعات".
وأضاف أن شركات التجارة الإلكترونية بحاجة إلى سلاسل إمداد أكثر مرونة ويمكنها التكيف بسرعة مع الاحتياجات الفردية والجغرافية، والمنتجات المصنعة تمر من خطوط الإنتاج للعملاء عبر سلسلة من إجراءات التخزين واللوجستيات، وهذا يعني أن الأنماط القديمة من المستودعات غير قادرة على مواكبة مشهد البيع بالتجزئة المتغير، وظهور ما يعرف بالتسليم في اليوم نفسه أو في غضون 24 ساعة، يمثل ضغطا على المستودعات، فاليوم لا تقوم الشركات باستخدام مساحة المستودع لتخزين المنتجات أو السلع التي ستباع فقط، وإنما توفير جزء من المساحة للتكنولوجيا والمعدات التي تسهل العمليات المختلفة، وهذا يعني نقصا في المساحة الخاصة بالتخزين.
ويرى بعض الخبراء أن انخفاض ما يعرف بنسبة الشواغر أحد المعايير الدالة على زيادة الطلب العالمي على المستودعات والمخازن.
والمتسوقون عبر الإنترنت يتوقعون حاليا أن يوفر لهم الإنترنت كل شيء يرغبون في شرائه، ما أدى إلى تراجع نسبة الشواغر في المستودعات في الولايات المتحدة وفي بلدان الاتحاد الأوروبي من 10 في المائة عام 2010 إلى 5 في المائة حاليا، وفي كندا واليابان تصل الشواغر في المستودعات 2 في المائة فقط.
ولكن لماذا لا يتم التغلب على المشكلة ببناء مزيد من المستودعات؟
لا يعد الأمر بهذه السهولة بطبيعة الحال، وهو ما تؤكده لـ"الاقتصادية" كينسلي نايسون الخبيرة العقارية في مجموعة واي إم الدولية للعقارات، إذ قالت "قد تكون العقارات حول موانئ الشحن والمواقع الأخرى بجانب التجمعات السكانية مواقع مثالية لتشيد المستودعات، لكن في الأغلب لا تتوافر أرض فضاء في تلك الأماكن، أو تكون باهظة الثمن، أو أن القوانين المنظمة لعمليات البناء والتشييد لا تسمح ببناء مستودعات، وفي الأغلب ما يكون الحل هو التوسع الرأسي في المستودعات القائمة، لكن لهذا التوسع حدود أيضا".
وأضافت "ندرة المساحة خاصة في المدن المكتظة بالسكان مثل لندن مشكلة كبرى، فبين عامي 2006 و2015 تم تحويل نحو 11 في المائة من أراضيها الصناعية لمصلحة بناء مزيد من المساكن والمكاتب التجارية، وفي سان فرانسيسكو تم تحويل نصف الأراضي الصناعية إلى وحدات سكنية وعقارات ومكاتب، ومن الصعب حاليا تحويل المناطق السكنية المتهالكة إلى مستودعات أو مراكز توزيع".
ويدخل في هذا الجانب الذي يعيق بناء مزيد من المستودعات الكبيرة، الحملات المعارضة التي تقوم بها مجموعات سكانية تعد أن بناء المستودعات الضخمة بالقرب من المناطق السكنية المكتظة أو حتى بالقرب من العمران يثير كثيرا من الضجيج والتلوث البيئي، إضافة إلى مخاطر الأمن والسلامة، فالمخازن ومراكز التوزيع الرئيسة تعمل على مدار الساعة وتستخدم شاحنات عملاقة، ما يزعج السكان، كما أن الحديث السابق عن أن المستودعات تستخدم عمالة بشرية بأعداد كبيرة، ما يسهم بشكل أو آخر في خفض نسب البطالة في المجتمع، لم يعد مبررا يمكن القبول به كثيرا في ظل اعتماد أغلب المستودعات الحديثة على الأتمتة بشكل شبه كامل.
وعلى الرغم من الحلول الابتكارية التي تطرح حاليا لزيادة القدرات التخزينية لشركات التجارة عبر الإنترنت، فإن المشكلة لم تحل، بل ارتفعت أسعار إيجارات المستودعات في العالم بما يراوح بين 5-10 في المائة في العامين الماضيين.
بدورها، ذكرت لـ"الاقتصادية" الدكتورة رايان إيثير أستاذ أنظمة التجارة الإلكترونية في مدرسة لندن للتجارة، أن "الإحصاءات المتاحة عن التجارة الإلكترونية تدفع إلى التساؤل عن مستقبل نقص المستودعات عالميا، ففي الأعوام الخمسة المقبلة ستزيد مبيعات التجارة الإلكترونية بمقدار 1.5 تريليون دولار، وفي الأعوام الخمسة الماضية زادت بنسبة 145 في المائة".
وأشارت إلى أن كل مليار دولار من مبيعات التجارة الإلكترونية يتطلب مساحة لوجستية تبلغ مليون قدم مربعة تقريبا، ونظرا لأن مزيدا من الشركات يركز على التصنيع المحلي والتخزين، فالمتوقع أن تزداد المنافسة بشدة على المساحات المتاحة للتخزين".
واستدركت قائلة "العودة إلى الأوضاع السابقة لجائحة كورونا ليس خيارا واقعيا لشركات التجارة عبر الإنترنت، وعلى الرغم من عدم وجود حلول جذرية للمشكلة بعد، فإن التخزين المشترك يطرح نفسه باعتباره حلا مؤقتا، حيث يمكن للمصنعين مشاركة المخازن والمستودعات مع آخرين، ولا شك في أن هذا الأسلوب يساعد على خفض التكاليف نسبيا، كما أن الاتمتة التامة تسمح أيضا باستخدام مساحة المستودع بكفاءة نظرا لتقلبات الطلب".
تاريخيا لم تكن عوائد أصحاب المستودعات جيدة في أوقات الانكماش الاقتصادي، لكن الآن يبدو أن الوضع يتحول لمصلحتهم، فالتجارة الإلكترونية تزدهر وتنتعش معها الحظوظ الاقتصادية لملاك المستودعات.

سمات

الأكثر قراءة