التدريب حين يصبح جسرا بين مخرجات التعليم واحتياجات العمل

التدريب حين يصبح جسرا بين مخرجات التعليم واحتياجات العمل

لم يعد بوسع أحد الآن أن يماري في أن مؤشر التنافسية المسؤولة يستطيع من خلال أبعاده في أن يسهم في دعم السعودة وتوطين الوظائف المزمنة في المملكة، بعد أن كادت تصبح حلما عصي التحقيق، بل صارت أشبه بالأمنية المستحيلة التحقيق، فتحولت إلى شعار، وفي بعض الممارسات صارت أقرب إلى الترضية الاجتماعية، حيث تقوم بعض الشركات بملء الفراغات الوظيفية الحقيقية، وبعض الوظائف المختلفة التي تصطنعها بكوادر سعودية لا تستفيد منها إنتاجا بدافع أخلاقي ووطني فقط.

خصائص سوق العمل
هذه المشكلة كانت ترجع في الأساس إلى واقع أن مخرجات التعليم لا تلبي احتياجات سوق العمل، وقد عقدت من أجلها عديد من السمنارات وورش العمل والمنتديات وكتب فيها المفكرون وقادة الرأي والمسؤولون والصحفيون المقالات والكتب.
وبشكل عام يمكن أن نجمل ما توصلت إليه الدراسات السابقة حول خصائص ومتطلبات سوق العمل السعودية في أنها تتميز بنمو متسارع، ويحتل فيه القطاع الخاص ما نسبته 95 في المائة من القوى العاملة، وتتمثل معظم الوظائف فيه في المجالات العملية. وعلى وجه التحديد في المجالات الفنية والمهنية والعملية المتخصصة، وقد أوضحت اتجاهات التوظيف من قبل، خلال سنوات خطة التنمية السابقة التي انتهت في عام 1425 هـ، أنها من مصلحة المتخصصين في المهن العلمية والفنية وذلك بنسبة 47 في المائة، كما أن 11.4 في المائة من إجمالي فرص العمل المتاحة آنذاك، في وقت تتراجع فيه نسبة التوظيف في مجال المهن الخدمية بما نسبته 30 في المائة، وتتراجع نسبة التوظيف في المهن الكتابية بما نسبته 7 في المائة، أما فئة المديرين الإداريين ومديري الأعمال ستكون هي الأدنى بنسبة 2.7 في المائة خلال الفترة المذكورة.
أما بالنسبة للكفاءات والمؤهلات المطلوبة لشغل الوظائف في سوق العمل، فلا تتجاوز الخبرة في مجال العمل، وبعض القدرات الشخصية مثل القدرة على التحليل والتطبيق والإبداع والاتسام بالجدية، وإتقان اللغة الإنجليزية، واستخدام الحاسب الآلي، وقد بينت بعض الدراسات أن درجة توفر هذه المتطلبات بالنسبة لبعض خريجي الجامعات فليلة، ومعدومة بالنسبة للبعض الآخر.
إذن هناك خلل في العملية التعليمية، وهذا ما أشار إليه عديد من استطلاعات الرأي العام بين أصحاب العمل، يحول دون انخراط الشباب في سوق العمل كمنافسين.
ما الحل إذن ؟
الدولة من ناحيتها لم تدخر وسعا في سبيل إعداد الشباب، إذ فتحت لهم الآفاق في هذا المجال، وأقامت عديدا من معاهد التأهيل لتخريج الكوادر الفنية اللازمة والمؤهلة لاحتلال مواقعها في سوق العمل، حيث أنشأت المعاهد والكليات، وصرفت ببذخ وسخاء عليها. ولكن مخرجاتها لم تكن حسب متطلبات واحتياجات سوق العمل.
إبداع على مستوى التدريب
الآن، ومع مؤشر التنافسية يستطيع القطاع الخاص أن يلعب دوره المؤثر في تحقيق هذا المطلب الوطني والاجتماعي. ذلك أن واحد من أهم معايير هذا المؤشر هو مسؤولية الشركات في توفير وتأمين بنية العمل الداخلية بها.وأن ذلك يعني – ضمن ما يعني – أن هذه الشركات مسؤولة بشكل مباشر عن تأهيل وتدريب عمالتها على أحدث المستويات وأرفعها.
شيئا مثل ذلك شهدناه في الأسبوع الماضي في تجربة شركة سعودي أوجيه التي أنشأت معهدا بمواصفات عالية لتخريج كوادر مهنية وطنية ولإعداد الشباب لدخول سوق العمل، أو كتجربة شركة أرامكو في أشكال التعليم والتدريب المتنوعة. والواقع أن هذه الأشكال من التجارب تعزز من قدرة الشركة التنافسية وتصب في مصلحة التنمية المستدامة للمجتمع، ذلك أنها تؤدي إلى تضييق الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، ونعتقد بأن هذا الأسلوب الوحيد، والطريقة الوحيدة لتحقيق شعار السعودة وتوطين الوظائف بسوق العمل.