FINANCIAL TIMES

«بريكست» يعني نهاية بريطانيا كما نعرفها الآن

«بريكست» يعني نهاية بريطانيا 
كما نعرفها الآن

ماذا سيبقى من بريطانيا بعد زلزال "بريكست"؟ هل ستظل متحدة؟ ما نوع الدور الذي يمكن أن تلعبه في أوروبا والعالم الأوسع؟ لا أحد يعرف إجابات لهذه الأسئلة. لكن يمكن للمرء على الأقل أن يستنتج تخمينات معقولة. أحد الاستنتاجات يبدو واضحا: المملكة المتحدة التي يعرفها العالم – المستقرة والعملية والمحترمة – ولت إلى الأبد. إذا تم فقدان السمعة يصعب استرجاعها.
التحول الأكثر أهمية هو في القيادة السياسية. بوريس جونسون الذي يمكن وصفه في أحسن الأحوال بأنه حالم على الدوام، من المرجح جدا أن يصبح رئيسا للوزراء. يرأس الحزب المعارض جيريمي كوربين، الرجل الذي يظل شغفه الأبدي هو السياسة اليسارية المعادية للولايات المتحدة. القوة المهيمنة في البلاد يقودها نايجل فاراج - ديماغوجي موهوب منهمك في كراهية الاتحاد الأوروبي. هذه ليست مجموعة الشخصيات البارزة التي يمكن أن تقود بلدا يتمتع بديمقراطية مستقرة وناضجة.
ثم هناك خطر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة. دون سبب وجيه، البرلمان الذي من المفترض أنه عازم على مغادرة الاتحاد الأوروبي، رفض ثلاث مرات الصفقة الوحيدة التي استطاعت رئيسة الوزراء، تيريزا ماي – الراشدة على الأقل – التوصل إليها. في حالة مناهضي التكامل الأوروبي من حزب المحافظين، هذا كان ظاهريا بسبب المعارضة للجدار الاستنادي الإيرلندي. لكنهم يصرون على أن هذه الخطة التي تحول دون وجود حدود صارمة لإيرلندا ليست ضرورية.
فهي على أي حال، تمنع المملكة المتحدة فقط من عقد صفقات تجارية لا ترقى إلى أهمية الحفاظ على علاقات جيدة مع الاتحاد الأوروبي، ربما غير متاحة، كما هو الحال مع الصين والهند، أو حتى مسيئة، كما هو الحال مع الولايات المتحدة. البلد مهدد بالخروج من دون صفقة، وذلك يعني اقتحام المجهول الذي يتسبب في تفاقم لعبة اللوم الشرسة أساسا داخل السياسة البريطانية وبين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
المخاطر المالية كبيرة أيضا. لذلك قد يحاول البرلمان تفادي الخروج من دون صفقة. أحد الحلول قد يكون إجراء انتخابات عامة. إذا قرر جونسون إجراء تصويت على الخروج من دون صفقة وقدم شيئا مغريا إلى فاراج، قد يحصل على كل أصوات مؤيدي الخروج تقريبا، بينما يظل تصويت الراغبين في البقاء منقسما. يمكن أن يمنحه هذا فوزا ساحقا. يستطيع بعد ذلك إضافة إنجاز الخروج من دون صفقة إلى قائمة الوعود غير المسؤولة التي كان يتفوه بها في حملته لقيادة المحافظين. فيليب هاموند، وزير المالية البريطاني، يشير إلى أن عدم التوصل إلى صفقة سيكلف خزانة الدولة 90 مليار جنيه سنويا. تخفيضات جونسون الضريبية قد تكلف 20 مليار جنيه إضافية. ومن أجل التعامل مع هذين الأمرين، يجب أن تضاف بعض خطط الإنفاق الطموحة.
هناك أيضا تهديدات دستورية. هدد جونسون بتعليق البرلمان "إنهاء الدورة البرلمانية" حتى لا يعيق عملية الخروج من دون صفقة. من شأن هذا أن يكون بمنزلة انقلاب تنفيذي ضد البرلمان. جون ميجر، رئيس الوزراء الأسبق، هدد بأن يرفع مثل هذا الإجراء إلى المراجعة القضائية. سيشكل ذلك أزمة دستورية.
القضية الأكبر ستكون مستقبل المملكة المتحدة. "بريكست" مشروع قومي إنجليزي. كل الأمم الأربع في الاتحاد قد تشق طريقها الخاص في نهاية المطاف. انشقاق اسكتلندا المحتمل هو الأكثر وضوحا. صحيح أن الاستقلال سيكون أكثر تكلفة بالنسبة لاسكتلندا إذا أصبحت إنجلترا خارج الاتحاد الأوروبي. لكن في مثل هذه الحالات لا يصوت الناس دائما بعقلانية – تذكر الضجة الإنجليزية المطالبة بخروج بريطانيا من دون صفقة. وقد تقرر إيرلندا الشمالية أيضا أنها ستكون أفضل حالا لو اتحدت مع إيرلندا والاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن الصدمة لكلا جزءي الجزيرة ستكون كبيرة. حتى ويلز قد تجد في النهاية أن احتضان "إنجلترا الصغيرة" لها خانق. حتى من دون تفكك الاتحاد، الصراع بين الأمم الأربعة حول الصلاحيات المنقولة من الاتحاد الأوروبي حتما سيكون قويا.
أفترض هنا أن "بريكست" – من دون صفقة على الأرجح – أصبح أمرا حتميا الآن. سبب إضافي لهذا هو الرعب الذي يشعر به كثير من الأوروبيين حاليا. حقيقة أن جونسون وصف الفرنسيين بأنهم "خسيسون" في مقابلة حديثة في فيلم وثائقي لقناة "بي. بي. سي" البريطانية (تم قطع هذا الجزء لاحقا) توضح سمات شخصيته. الأمر ذاته ينطبق على الطريقة التي أدار بها أعضاء البرلمان الأوروبي من حزب مؤيدي "بريكست" ظهورهم عندما عزفت مقطوعة بيتهوفن "نشيد الفرح". لماذا يجب على الأوروبيين تحمل مثل هؤلاء الأشخاص إذا كان لديهم خيار عدم تحملهم؟
لعب البريطانيون دورا كبيرا في العالم. لكن ما مستقبل إنجلترا عندما تكون وحدها في خصام مستمر مع الاتحاد الأوروبي؟ أحد الخيارات أنها ستتبع أمريكا دونالد ترمب الأحادية الغارقة في الأنا، التي من المحتمل أنها أحد أعداء الاتحاد الأوروبي. خيار كوربين من المفترض أن يدعمه فيه أي طاغية يساري يمكنه العثور عليه. هل تستطيع بلاد مترددة في اتباع أي من آين راند (كاتبة وفيلسوفة أمريكية ـ روسية انتقلت إلى الولايات المتحدة عام 1926) أو ليون تروتسكي (منظر ماركسي أغتيل عا 1940) أن تكون ذات أهمية حقيقية في العالم؟ ما المبرر الذي يمكن استخدامه من أجل إبقائها عضوا دائما في مجلس الأمن للأمم المتحدة؟
ما يحدث الآن لا يليق ببلد جاد. خلاصة الأمر أن المملكة المتحدة لم تعد بلدا من هذا القبيل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES