ثروات الدول والتنافس الاقتصادي «2 من 2»

إن التفكير في المستقبل على أساس الميزة، التي يتيحها الفارق في تكاليف نقل المدخلات، يؤدي إلى تقييد إمكانات البلدان في منتجات تستخدم بكثافة المواد الخام المتاحة محليا فقط. وقد تبين أن هذا قد يكون مقيدا للغاية. فما المواد الخام - على وجه التحديد - التي يجعل القرب منها أي دولة قادرة على المنافسة في إنتاج السيارات أو الطابعات أو المضادات الحيوية أو الأفلام؟ إن أغلب المنتجات تتطلب عديدا من المدخلات، وفي أغلب الحالات لن تكون مادة خام بعينها كافية لإحداث فارق كبير.
إن الإثراء يفرض على الصناعات الاستخراجية "التعدينية" البيع محليا بأسعار أدنى من أسعار التصدير، فيعمل بالتالي وكأنه ضريبة ضمنية تخدم كإعانات دعم لأنشطة التصنيع النهائية. ومن حيث المبدأ، يساعد فرض نظام ضريبي كفء على الصناعات الاستخراجية على تمكين المجتمعات من تعظيم الفوائد التي يمكن جنيها من هبات الطبيعة. ولكن ليس هناك سبب يدعو إلى استخدام القدرة على فرض الضرائب في محاباة الصناعات التحويلية النهائية. وكما أظهرنا أنا وزملائي، فإن هذه الأنشطة ليست الأقرب من حيث القدرات، وليست الأكثر قيمة باعتبارها نقطة انطلاق إلى مزيد من التنمية.
ولعلنا نستطيع أن نقول إن التأثير الاقتصادي الأكبر، الذي ترتب على صناعة الفحم في بريطانيا أواخر القرن الـ17 كان تشجيع تطوير المحرك البخاري كوسيلة لضخ المياه إلى خارج المناجم. ولكن المحرك البخاري ذهب إلى إحداث ثورة في عالم التصنيع والنقل، فغير تاريخ العالم ومكانة بريطانيا فيه، وزاد من فائدة توافر الفحم في بريطانيا في المقام الأول.
وعلى النقيض من هذا، فإن تطوير البتروكيماويات أو مصانع الصلب، أو نقل وظائف تقطيع الألماس المتدنية الأجور من الهند أو فيتنام إلى بوتسوانا - الدولة الأكثر ثراء بأكثر من أربعة أضعاف - نهج يفتقر إلى الخيال بقدر ما هو مقيد للحركة والمجال. وسنجد قدرا أعظم من الإبداع في الإمارات، التي استخدمت عائداتها من النفط للاستثمار في البنية الأساسية والتأنق، وبالتالي تحويل دبي إلى مركز سياحي وتجاري ناجح.
وهنا يشتمل الأمر على درس للولايات المتحدة، التي انتهجت سياسة إثراء كبرى منذ الحظر النفطي عام 1973، عندما فرضت قيودا على تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي. ومع تحول الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى مستورد للطاقة، لم يجد قادتها قط أي سبب للتخلي عن هذه السياسة، لكن ثورة طاقة الصخر الزيتي الأخيرة أدت إلى زيادة كبيرة في إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز في السنوات الخمس الأخيرة. ونتيجة هذا، أصبح سعر الغاز الطبيعي المحلي أقل كثيرا من سعر التصدير.
ويشكل هذا إعانة دعم ضمنية للصناعات، التي تستخدم النفط والغاز بكثافة، وقد يجتذب بعض الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل. ولكن أهذا هو الاستخدام الأمثل لقدرة الحكومة على فرض الضرائب على التجارة أو تنظيمها؟ ألن تكون الولايات المتحدة في حال أفضل إذا استخدمت قدرتها على فرض الضرائب على الغاز الطبيعي لتحفيز تطوير معادل تكنولوجي معاصر للمحرك البخاري الثوري؟

خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي