Author

"العشرين" والتعامل مع صلابة الاقتصاد العالمي

|

مدير عام صندوق النقد الدولي

في ظل تحسن الآفاق العالمية على المدى القريب أخيرا، يجد صناع السياسات في مجموعة العشرين أمامهم فرصة لكي يعيدوا بناء زخم السياسات، ويضعوا نصب أعينهم هدف تحقيق مستقبل أكثر إنصافا وازدهارا واستدامة وتعاونا. وبعد عدة أعوام من الصدمات، نتوقع أن يبلغ النمو العالمي 3.1 % هذا العام، مع هبوط التضخم وتماسك أسواق العمل. وتمنح هذه الصلابة أساسا لتحويل موضع تركيز المجموعة نحو الاتجاهات العامة متوسطة الأجل التي تشكل الاقتصاد العالمي. وكما يتضح من تقريرنا الجديد إلى مجموعة العشرين، فإن بعض هذه الاتجاهات - مثل الذكاء الاصطناعي - يبشر بزيادة الإنتاجية وتحسين آفاق النمو. ونحن في أمس الحاجة إلى ذلك – فتوقعاتنا تشير إلى انخفاض النمو على المدى المتوسط إلى أدنى مستوياته خلال عقود.

وانخفاض النمو العالمي يؤثر في الجميع، وإن كان ينطوي على انعكاسات مثيرة للقلق في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بصفة خاصة. ولقد استطاعت هذه البلدان أن تتجاوز صدمات عالمية متعاقبة على نحو مثير للإعجاب، تدعمها أطر أقوى على مستوى المؤسسات والسياسات. ولكن تباطؤ آفاق نموها جعل تقاربها مع الاقتصادات المتقدمة أبعد منالا.

مجموعة العشرين أمامها فرصة مهمة لتحويل تركيزها من إطفاء الصدمات المتعاقبة إلى وضع جدول أعمال متوسط الأجل يدعم تحقيق نمو قوي ومستدام ومتوازن واحتوائي وهناك عوامل أخرى تسهم في تعقيد الصورة العالمية. فالتشرذم الجغرافي-الاقتصادي آخذ في التعمق مع تحويل البلدان لاتجاهات التجارة والتدفقات الرأسمالية. والمخاطر المناخية آخذة في التزايد وتؤثر بالفعل في الأداء الاقتصادي، من الإنتاجية الزراعية إلى إمكانية الاعتماد على النقل وحتى إتاحة التأمين وتكاليفه. وقد تؤدي هذه المخاطر إلى إعاقة المناطق التي تزخر بأكبر الإمكانات الديمغرافية، مثل إفريقيا جنوب الصحراء.

وعلى هذه الخلفية، فإن جدول أعمال مجموعة العشرين برئاسة البرازيل يلقي الضوء على قضايا رئيسة مثل الاحتواء والاستدامة والحوكمة العالمية، مع ما نرحب به من تركيز على القضاء على الفقر والجوع. وجدول الأعمال الطموح هذا، الذي يعمل صندوق النقد الدولي على دعمه، يمكن أن يكون مرشدا لصناع السياسات في هذه اللحظة المحورية من التعافي العالمي.

محافظو البنوك المركزية محقون في تركيزهم على الانتهاء من العمل على خفض التضخم وإعادته إلى المستوى المستهدف. ولهذا الأمر أهميته بصفة خاصة للأسر الفقيرة والبلدان منخفضة الدخل التي تضررت أكثر من غيرها من جراء ارتفاع الأسعار. ولكن التقدم الذي نرحب به نحو تخفيض التضخم يعني أنه يتعين على البنوك المركزية الكبرى أن تنظر بحرص هذا العام في مسألة تحديد توقيت تخفيض أسعار الفائدة ومقدار هذا الانخفاض.

وبينما لا يزال التضخم الأساسي مرتفعا في كثير من البلدان، واحتمالات تجاوز التضخم للتوقعات لا تزال باقية، يجب على صناع السياسات تتبع تطورات التضخم الأساسي بدقة وتجنب التيسير في وقت سابق لأوانه بكثير أو بوتيرة أسرع مما يلزم بكثير.

ولكن عندما يتحرك التضخم بوضوح نحو المستوى المستهدف، ينبغي للبلدان أن تضمن عدم بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة للغاية. واستجابة البرازيل المبكرة والحاسمة في مواجهة الارتفاع الكبير في التضخم أثناء الجائحة مثال جيد على النتائج الممكنة بفضل السرعة في صنع السياسات. وكان بنك البرازيل المركزي من أولى البنوك المركزية التي رفعت سعر الفائدة الأساسي، ثم أقدم على تسيير سياسته مع هبوط التضخم نحو نطاقه المستهدف.

إنشرها