فريق التضخم المؤقت ونشوة النصر «2 من 2»

بطبيعة الحال، سيهنئ القائمون على البنوك المركزية أنفسهم. لكن الدور الذي اضطلعوا به في انحسار التضخم أخيرا كان ضئيلا. ذلك أن رفع أسعار الفائدة لم يعالج المشكلة التي واجهتنا، التضخم على جانب العرض والتضخم الناتج عن تحول الطلب. بل إن انحسار التضخم حدث على الرغم من التدابير التي اتخذتها البنوك المركزية، وليس بسببها.
أدركت الأسواق هذه الحقيقة إلى حد كبير منذ البداية. ولهذا السبب ظلت التوقعات التضخمية مروضة. في حين يزعم بعض خبراء الاقتصاد في البنوك المركزية أن هذا كان بسبب استجابتها القوية، فإن البيانات تنبئنا بقصة مختلفة. كانت توقعات التضخم خافتة منذ وقت مبكر، لأن الأسواق أدركت أن ارتباكات جانب العرض كانت مؤقتة. ولم ترتفع التوقعات التضخمية إلا بعد أن أعرب القائمون على البنوك المركزية مرارا وتكرارا عن مخاوفهم من أن التضخم والتوقعات التضخمية بدأت تظهر، وأن هذا يستلزم جهدا طويل الأمد يترتب عليه ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات البطالة. "ولكن حتى رغم ذلك، لم تتزحزح هذه المعدلات إلا بالكاد، لتصل إلى 2.67 في المائة في المتوسط للأعوام الخمسة التالية في أبريل 2021، قبل أن تتراجع إلى 2.3 في المائة بعد عام واحد".
قبل اندلاع الصراع الأخير في الشرق الأوسط -الذي يوقظ مرة أخرى شبح ارتفاع أسعار النفط- كان من الواضح أن "الانتصار" على التضخم تحقق من دون الزيادة الكبيرة في معدلات البطالة التي أصر صقور التضخم على أنها ضرورية. ومرة أخرى، لم تثبت علاقة الاقتصاد الكلي القياسية بين التضخم والبطالة، التي عبر عنها منحنى فيليبس.
لم تكن تلك "النظرية" دليلا يمكن الاعتماد عليه على مدار قسم كبير من ربع القرن الماضي، وهكذا كانت حالها مرة أخرى الآن. قد تعمل نماذج الاقتصاد الكلي بكفاءة عندما تكون الأسعار النسبية ثابتة وتدور التغيرات الرئيسة في الاقتصاد حول الطلب الكلي، لكن ليس عندما تحدث تغيرات قطاعية كبرى، فضلا عن التغيرات المصاحبة في الأسعار النسبية.
عندما بدأ التضخم في مرحلة ما بعد الجائحة قبل أكثر من عامين، سرعان ما انقسم أهل الاقتصاد إلى معسكرين، أولئك الذين ألقوا اللوم على الطلب الكلي المفرط، الذي عزوه إلى حزم التعافي الكبيرة، وأولئك الذين زعموا أن الارتباكات كانت عابرة وتصحح نفسها بنفسها.
في ذلك الوقت، لم يكن من الواضح كيف قد تتطور الجائحة. وفي مواجهة صدمة اقتصادية جديدة، لم يكن بوسع أحد أن يتنبأ عن يقين بالمدة التي قد يستغرقها ظهور القوى الانكماشية. على نحو مماثل، توقع قلة من المراقبين افتقار الأسواق إلى المرونة، أو قدر القوة الاحتكارية المؤقتة الذي قد تناله شركات مختارة بسبب ارتباكات جانب العرض.
ولكن على مدى العامين التاليين، أفضت دراسات متأنية لتوقيت زيادات الأسعار وحجم التحولات في الطلب الكلي نسبة إلى العرض الكلي إلى تقويض "قصة" الطلب الكلي التي روج لها صقور التضخم. فهي ببساطة لم تضع ما حدث في الحسبان. وأيا كان مقدار المصداقية الذي خلفته هذه القصة، فإنها تآكلت الآن بشكل أكبر بسبب انحسار التضخم.
من حسن حظ الاقتصاد أن فريق التضخم المؤقت كان محقا. ونأمل أن تستوعب مهنة الاقتصاد الدروس الصحيحة.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي