Author

أسعار الفائدة ونمو الودائع الادخارية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

في تقرير لافت أعدته صحيفة "الاقتصادية" عن حجم النمو في الودائع الادخارية، حيث شهد تطورا كبيرا خلال الفترة التي نعيشها من رفع أسعار الفائدة خلال الفترة الحالية، التي تجاوزت 5 في المائة بعد أن كانت قريبة من الصفر، بل بعض الدول وهي قليلة جعلتها دون الصفر، وهذا تحول كبير انعكس على الأسواق عامة، ما أعاد ترتيب خريطة الاستثمار وتوزيعها بين الأصول والأدوات المالية منخفضة الأخطار، وهذا ما أدى إلى تدفق أكثر للاستثمار في الأصول منخفضة الأخطار مثل الصكوك الإسلامية والأدوات الادخارية التي تقدمها البنوك. حيث ورد في التقرير: "ارتفعت ودائع البنوك السعودية المدرجة البالغ عددها عشرة إلى نحو 2.5 تريليون ريال بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، مقارنة بنحو 2.3 تريليون ريال للفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلة زيادة نسبتها 8.2 في المائة. ووفقا لرصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، استند إلى القوائم المالية للبنوك، فإنه خلال العامين الماضيين، أي: منذ بدء رفع أسعار الفائدة، نمت الودائع في البنوك بنحو 19 في المائة، بفضل نمو الودائع الادخارية والآجلة بنحو 65 في المائة مقابل 1 في المائة فقط للودائع تحت الطلب "المجانية"، وخلال الربع الثالث من 2023 ارتفعت ودائع البنوك بدعم "الادخارية" في ظل بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وسط تنافس البنوك على جذب ودائع العملاء بتقديم معدلات فائدة تصل إلى 6 في المائة، ما أثر في معدل نمو الودائع تحت الطلب، أو كما تعرف بالودائع "المجانية" التي انكمشت 2.4 في المائة خلال الفترة".
هذا التقرير يقدم مؤشرات مهمة فيما يتعلق بسوق الاستثمار في الأدوات المالية منخفضة الأخطار في المملكة وزيادة الوعي في توزيع الاستثمارات، كما أنها يمكن أن تكون واحدة من أهم الأدوات مستقبلا التي ستحرص المؤسسات المالية على الاستثمار فيها وتقديم خيارات جاذبة للمستثمرين خصوصا الأفراد، حيث كانت وسائل جذب هذ الفئة من قبل البنوك تنحصر في التمويل الشخصي والعقاري ولاحقا البطاقات الائتمانية بميزاتها، والآن أصبح أحد أهم أشكال جذب هذه الشريحة هو توفير خيارات لاستثمار أموالهم التي لا يحتاجون إليها من خلال استثمارات منخفضة الأخطار.
هذا التطور قد يكون له أثر سلبي وإيجابي في المؤسسات المالية، ذلك أن هذه الشريحة ستكون شريكا في الأرباح التي تحصل عليها المؤسسات المالية بعد أن كانت تحصل على هذه السيولة مجانا في فترة سابقة وكانت تحقق منها عوائد كبيرة دون أعباء، لكن الآن ومع الوعي وتسابق البنوك للظفر بهذه السيولة أصبحت المنافسة أكبر على تقديم عائد أعلى، ما سيقلص العوائد التي يمكن أن تحققها تلك المصارف، علاوة على أن هناك شركات التمويل الجماعي التي بدأت تستحوذ على جزء من هذه السيولة بعوائد تفوق بكثير ما تقدمه المصارف، بل أصبحت تحقق عوائد أعلى مما تحققه حتى الاستثمارات عالية الأخطار والاستثمارات العقارية بعوائد قد تصل إلى أكثر من 10 في المائة سنويا.
في المقابل وجود مثل هذه الخيارات سيشجع على الإقبال على الاحتفاظ بهذه السيولة بعيدا عن الأخطار خصوصا في فترات تقلب السوق، وهذا يعزز استدامة مصادر السيولة لدى البنوك ويزيد فرص تقديم تمويلات على المديين المتوسط والبعيد، التي عادة ما تحقق عوائد أفضل للمؤسسات المالية.
مما يلاحظ أنه رغم هذا التطور الكبير إلا أن هناك قيودا لدى بعض المؤسسات المالية، تمنع الاستفادة من هذه الخيارات للمستثمرين، فعلى سبيل المثال نجد أن بعض المصارف تفرض حدا أدنى للمبلغ الذي يمكن أن يستثمر في هذا النوع من الاستثمارات، قد يصل إلى 100 ألف ريال، ما يمنع مجموعة كبيرة من الأفراد من الاستفادة من مثل هذا النوع من الاستثمارات، كما أن بعض المصارف تفرض على المستفيد مدة قد تصل إلى عام للاحتفاظ بهذه الأموال في هذه الاستثمارات، ما قد يكون سببا في ألا يتشجع كثيرون، على أساس أنه يوجد بعض المستفيدين ممن يريد أن يدخر هذه الأموال بغرض شراء احتياج له مثل سكن أو أي أمر آخر.
الخلاصة: إن الزيادة في معدلات السيولة التي تتحول إلى منتجات ادخارية مؤشر على وعي أكبر في المجتمع بأهمية الادخار، كما أنه سيشجع المؤسسات المالية على توفير خيارات متعددة تناسب شرائح المستثمرين. ومن الأهمية مراعاة مسألة ألا تكون هناك قيود تتعلق بالحد الأدنى للمبلغ المدخر ولا المدة التي يمكن أن يستفيد منها المدخر، وأن تتم هذه الخيارات من خلال قنوات ميسرة، من خلال التطبيقات الخاصة بالمؤسسات المالية ومواقعها الإلكترونية.

إنشرها